ولكنه يجيء الى رسم صورة محسوسة ، صورة انعدام الجهد والكلال. لأن التعبير القرآني يرسم صورة للمعاني تجسمها فتكون اوقع وأعمق وأظهر حسا.
(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) وهذه خاتمة الصفات في الآية تقرر حقيقة ، وتوحي للنفس بهذه الحقيقة وتفرد الله سبحانه بالعلو والعظمة ، لقصرها عليه سبحانه بلا شريك ، ومهما علا الانسان فلا يمكنه أن يتجاوز مقام العبودية المحدودة بمقدار ما أقدرها خالقها بدون أدنى تجاوز أو انحراف.
(لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))
البيان : ان قضية العقيدة ـ كما جاء بها هذا الدين ـ قضية اقتناع بعد البيان والتعقل ، وليست قضية اجبار أو اكراه ، فقد جاء هذا الدين يخاطب العقول البشرية ، بكل قواها وطاقاتها. يخاطب العقل المفكر ، والبداهة الناطقة ، ويخاطب الوجدان المنفعل ، كما يخاطب الفطرة المستكنة. واذا كان هذا الدين لا يواجه الحس البشري بالخارقة المادية القاهرة ، فهو من باب أولى لا يواجهه بالقوة والاكراه ، ليعتنق هذا الدين تحت تأثير التهديد ، بلا بيان ولا اقناع.
وكانت المسيحية ـ آخر الديانات قبل الاسلام ـ قد فرضت بالحديد والنار ووسائل التعذيب والقمع التي زاولتها الدولة الرومانية ، بمجرد دخول الامبراطور قسطنطين في المسيحية ، بنفس الوحشية.
فلما جاء الاسلام عقب ذلك جاء يعلن ـ في أول ما يعلن ـ هذا الوسام والمبدأ العظيم الكبير : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ..) وفي هذا المبدأ