ثم فان الله تعالى يتفرد وحده ـ بالحياة الذاتية ـ والحياة الازلية ـ الابدية التي لا مبدأ لها ولا منتهى.
أما صفة (القيوم) فتعني قيامه عزوجل ، على كل موجود ، كما تعني قيام كل موجود به. فلا قيام لموجود الا بوجوده ، ولا قيام لحي الا بحياته (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)
وهذا توكيد لقيامه سبحانه وتعالى على كل شيء وقيام كل شيء به (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فهي الملكيه الشامله ، كما انها هي الملكية المطلقة ، الملكية التي لا يرد عليها قيد ولا شرط ولا فوت ولا شركة. (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
وهذه صفة اخرى من صفات الله تعالى ، توضح مقام الالوهية ومقام العبودية ، فالعبيد جميعا يقفون في حضرة الالوهية موقف العبودية لا يتعدونه ، ولا يجرؤ احد على الشفاعة الا بعد ان يؤذن له ، فيخضع للاذن ويشفع في حدوده ، (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) انه هو الذي يعلم وحده كل شيء علما مطلقا شاملا كاملا ، فيكشف لعباده بقدر حكمته. وبقدر ما اذن الله للانسان في علم هذا الجانب وكشف له عنه ، وقد ذوى عنه اسرارا كثيرة ومع ذلك فقد يفتن الانسان بذلك الطرف الضئيل من العلم الذي أحاط به بعد العلم بعد الاذن.
وقد بدأ العلماء في القرن العشرين يعترفون انهم لم يؤتوا من العلم الا قليلا ولم يزل الجهل يحيط بهم (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما). وقد جاء التعبير في هذه الصورة الحسية في موضع التجريد المطلق ، على طريقة القرآن في التعبير فاذا وسع كرسيه السموات والارض فقد وسعهما سلطانه ، وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنية. (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) فهو كناية عن القدرة الكاملة ،