(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥))
البيان : مشهد كامل مؤلف من منظرين متقابلين شكلا ووضعا وثمرة. وفي كل منظر جزئيات يتسق بعضها مع بعض من ناحية فن الرسم. وفن العرض (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ).
فهو لا يستشعر نداوة الايمان وبشاشته. ولكنه يغطي هذه الصلادة بغشاء الرياء على هذا القلب الصلد المغشى بالرياء يمثله (صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) حجر لا خصب فيه ولا ليونة. يغطيه تراب خفيف يحجب صلادته عن العين. كما ان الرياء يحجب صلادة القلب الخالي من الايمان.
(فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً) وذهب المطر بهذا التراب القليل. فانكشف الحجر بجدبه وقساوته وكيف ينبت الزرع في الصخرة الصماء كذلك القلب الذي انفق ماله رئاء الناس. فلم ينبت ولم يثمر.
اما المنظر الثاني المقابل له في المشهد. فقلب عامر بالايمان الصحيح. ينفق ماله (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ينفقه عن ثقة نابعة عن الايمان الثابت. عميقة جذوره. في القلب والضمير والنفس والوجدان
جنة تقوم على ربوة. فاذا جاء الوابل لم يذهب بالتراب بل شربه وانما ما فيه من الغرس والبذر. واتت الثمار ضعفين (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) وهو الندا.
انه المشهد الكامل المتقابل المناظر الموحى للقلب باختيار الطريق في يسر عجيب. ولما كان المشهد مجالا للبصر والبصيرة من جانب ومرد الامر فيه الى احراز رضا الله عزوجل جاء التعقيب لمسة للقلوب : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)