والثاني : ما كان يواجهه القرآن من هذه الطبيعة في البيئة العربية التي اشتهرت بالسخاء والكرم ... ولكنه سخاء مقابل مدح وثناء من المخلوقين.
واما ما يدعوهم اليه الاسلام من الاخلاص في الانفاق لوجه الله لا غير. مجرد عن كل ما سواه فهذا ليس بالامر الهين. وكان الامر في حاجة الى التربية والجهد الكثير فلا بد منه.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))
البيان : الاسباب والوسائل يمكن للانسان ان يأتي بها. ولكن الغايات والمسببات ليست بيد الخلق ولا هي تحت سلطتهم. فعلى الانسان ان يأتي بما أمره الله من فعل السبب والوسيلة. وترتب الاثر يرجع الى الله لا غير (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) ـ (واليه ترجع الامور)
والهداية هي من سنخ الغايات والمسببات والنتائج فهي بيد الله ومرجعها اليه وحده. ان أمر القلوب وهداها وضلالها ليس من شأن أحد من خلق الله. ولو كان رسول الله ص وآله.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) فاما الهدى فهو بيد الله عزوجل. فالعامل في سبيل ارشاد الناس وهدايتهم أجره وثوابه مترتب بنفس ما يعمله ترتب عليه الاثر أو لم يترتب. فلا يكون خاسرا ولا ضائعا عمله وتعبه اذا لم يترتب الأمر المقصود من العمل. بل العامل المخلص هو الرابح وعمله مثمر بالنسبة الى أجره وثوابه من الله على كل حال.
ان الاسلام لا يقرر مبدأ الحرية الدينية وحده. ولا ينهى عن الاكراه على الدين فحسب وانما يقرر ما هو أبعد من ذلك كله. يقرر