السماحة الانسانية المستمدة من توجيه الله تعالى يقرر حق المحتاجين جميعا في أن ينالوا العون والمساعدة. ما داموا في غير حالة حرب مع الجماعة المسلمة ـ دون نظر الى عقيدتهم ـ ويقرر ان ثواب المطيع محفوظ عند الله تعالى على كل حال ما دام الانفاق ابتغاء وجه الله. وهي وثبة بالبشر لا ينهض بها الا الاسلام. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) هذا هو شأن المؤمن لا سواه. انه لا ينفق الا ابتغاء وجه الله ، ولا ينفق عن هوى نفس ولا لمدح المادحين.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣))
البيان : لقد كان هذا الوصف الموحى ينطبق على جماعة من المهاجرين. تركوا وراءهم اموالهم واهليهم واقاموا في المدينة ووقفوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله تعالى.
ولكن النص عام ينطبق على سواهم في جميع الازمان. ينطبق على الكرام المعوزين الذين تكتنفهم ظروف تمنعهم من الكسب. وتمسك بهم كرامتهم ان يسألوا العون او ان يظهروا الحاجة. يحسبهم الجاهل اغنياء من تعففهم. ولكن ذا الحس المرهف والبصيرة المفتوحة يدرك ما وراء التجميل من جميل. وتبدو على سيماهم وهم يدارونها بالحياء.
انها صورة عميقة الايحاء. تلك التي يرسمها النص. وكل جملة تكاد تكون لمسة ريشة ترسم ابدع صورة للتعفف والحياء. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))
البيان : ويبدو التناسق في هذا الختام في عموم النصوص وشمولها. سواء في صدر الآية ام في ختامها وكأنما هي الايقاع الاخير