ارادتهم ، هي التي جاءت بهم الى هنا ، ارادة اخرى ـ غير ارادتهم ـ هي التي قررت أن تخلقهم ، وهي التي رسمت لهم الطريق التي أتوا منها.
وهي التي اختارت لهم خط الحياة التي وجدوا عليها ، وهي التي منحتهم وجودهم في هذه الحياة ، وارادة أخرى هي التي منحتهم خصائص وجودهم بغير ارادة منهم ولا اختيار لهم بذلك ، منحتهم استعداداتهم ومواهبم ، ومنحتهم القدرة على التعامل مع هذا الكون الذي جيء بهم اليه من حيث لا يشعرون ، وبدون اختيار.
ولو نذكر الناس هذه الحقيقة البديهية التي يغفلون عنها لتابوا وأنابوا الى رشدهم من أول الطريق. ان هذه الارادة التي جاءت بهم الى هذا العالم وخطت لهم طريق الحياة فيه ، ومنحتهم القدرة على التعامل معه ، لهي وحدها التي تملك لهم كل ما يحتاجون اليه وهي التي تختص باصلاحهم عند العطب والفساد ، اذا رجعوا اليه وأطاعوها كما تريد.
وانها لهي القادرة ان ترسم لها الطريق لو ساروا عليها لأمنوا جميع المخاوف ، هي التي يمكنها ان تضع لهم منهاج الحياة والسلوك الى كل خير وسعادة وراحة وكرامة ، وهي التي يجب عليهم أن يلتجأوا اليه ويسيروا وفق اوامرها ومناهيها حتى يسعدوا (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ) عن جميع المخلوقات.
ولو تذكر الناس هذه الحقيقة ، لتضاءلت في حسهم كل الفروق الطارئة في الحياة التي نشأت من انحرافهم عن منهج خالقهم ، ففرقت بينهم ومزقت شملهم وحقيقتهم الواحدة ، ولو ثبتوا عليها لما استطاعت الاهواء ان تطغى على مودة الرحم وحقها في الرعاية ، وصلة النفس