أربعون سنة معكم وانتم تعلمون انه لم يقرأ ولم يكتب ولا رافق معلما طيلة حياته. وقد فاجأكم بهذا القرآن ويقول لكم هذا من عند خالقكم وله حق الطاعة والعبادة عليكم لا أحجاركم واصنامكم التي نحتموها بأيديكم وعكفتم على عبادتها. وهي أحق وأولى أن تعبدكم لفضلكم عليها. فان استعملتم عقولكم تحقق لكم صحة ما أقول وصدق اخباري عن خالقكم. وان أبيتم الا العناد والاعراض أو اتهمتموني في صحة ما أدعوكم اليه فآتوا بسورة واحدة من شكل ما اتيتكم به وانتم ارباب الفن والبلاغة والكلام.
ثم زاد في تحديه لهم فقال لهم اجمعوا واستعينوا بكل من ظننتم عونه لكم على معارضته.
ويبدأ هذا التحدي بلفتة لها قيمتها في هذا المجال. فيصف الرسول ص وآله بالعبودية لله قبل كل شيء فيقول عزوجل : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا).
ولهذا الوصف في الموضع دلالات منوعة ومتكاملة ، فهو لا يفخم النبي ولا يعظمه كما هي عادة ارباب المناصب والرياسة. ومن جهة اخرى أرى يعلمنا أن مقام العبودية لله عزوجل هي أسمى وأعلا مقام يحرزه الانسان في هذه الحياة وينبغي أن يكون هدفه الوحيد في جده واجتهاده ، حتى يصل اليه وينال مرتبته العالية الشامخة التي هي مرتبة سيد الانبياء والمرسلين ، وأعلا درجة الابرار والصديقين.
أما التحدي اللاذع فمنظور فيه الى نهاية الاعجاز. حيث يقول للجبابرة المعاندة : هذا الكتاب مصوغ من تلك الحروف التي في أيديكم فان كنتم في ريب من صحة دعوى عبدنا فدونكم فآتوا بسورة من مثله. وادعوا من استطعتم من شهدائكم واعوانكم واصنامكم لمعاونتكم.