والتناسق. هو الظاهرة الملحوظة في القرآن المجيد ـ ونحن نتحدث فقط عن ناحية التعبير اللفظي والاداء الاسلوبي ـ فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز ـ تختلف الوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها ـ ولكن يتحد مستواه والكمال في الاداء بلا تغير ولا اختلاف من مستوى الى مستوى كما هو الحال في كل ما يصنع الانسان. انه يحمل طابع الصنعة الآلهية. وهو يدل على الصانع ويدل على الموجود الذي لا يتغير من حال الى حال. ولا تتوالى عليه الاحوال.
وتتجلى ظاهرة عدم الاختلاف. والتناسق المطلق الشامل الكامل. بعد ذلك في ذات المنهج الذي تحمله العبارات. ويؤديه الاداء. منهج التربية للنفس البشرية. والمجتمعات البشرية ـ ومحتويات هذا المنهج وجوانبه الكثيرة. ومنهج التنظيم للنشاط الانساني للافراد وللمجتمع الذي يضم الافراد. وشتى الجوانب والملابسات التي تطرأ في حياة المجتمعات البشرية على توالي الاجيال.
وان كان الفارق بين صنعة الخالق وصنعة المخلوق واضحا كل الوضوح في جانب التعبير اللفظي والاداء الفني. فانه أوضح من ذلك في جانب التفكير والتنظيم والتشريع. فما من نظرية بشرية وما من مذهب بشري الا وهو يحمل الطابع البشري والتأثر الوقتي.
وعكس ذلك كله هو ما يتمم به المنهج القرآني الشامل المتكامل لثابت الاصول ثبات النواميس الكونية. المستمر بالحركة الدائمة ـ مع ثباته ـ كما تسمح بها النواميس الكونية. وتدبر هذه الظاهرة في آفاقها (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) والى هذا القدر الذي لا يخطئه متدبر ـ حين يتدبر ـ يكل الخالق العظيم تلك الطائفة كما يكل كل أحد. وكل جماعة. وكل جيل في كل مكان وزمان. والى هذا القدر من الادراك يكل اليهم الحكم على هذا القرآن المجيد. وبناء اعتقادهم في انه من