ايام موسى (ع) ومن جاءوا بعدهم الى يومنا هذا ، وكل من ينطبق عليه وصف الكفر (قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) قد ضلوا في الدنيا والآخرة ، ضلالا لا يرتجى معه هدى.
والكفر في ذاته ظلم : ظلم للحق ، وظلم للنفس ، وظلم للناس ، والقرآن المجيد يعبر عن الكفر احيانا بانه الظلم ، كقوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ومعنى أن الله تعالى لا يغفر لهم ، يعني هذا اخبار من علام الغيوب ان هؤلاء سيصرون على ضلالهم وكفرهم فلا يؤمنون بالاسلام ولا يصدقون الرسول محمد ص وآله ومعلوم بان الغفران والعفو والصفح انما يستحقه الانسان اذا رجع عن خطأه وعصيانه وتاب واناب وهو لا يحتمل في حقهم شيء من هذا فهم على ضلالهم. وقد قطعوا على أنفسهم كل طريق للمغفرة وأوصدوا في وجوه أنفسهم كل باب الا طريق جهنم فأرادوه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))
البيان : وهي دعوة سبقها دحض مفتريات أهل الكتاب وكشف جبلة اليهود وتعنتهم الاصيل حتى مع موسى (ع) نبيهم ومنقذهم. وهنا يبين الله عزوجل انه أرسل رسوله ص وآله بالحق للناس أجمع (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ولو لم تكن هذه الرسالة عامة للناس لمن وجد ومن سيوجد الى يوم القيامة لما كانت الحجة من الله تعالى تامة على خلقه ولما كانت رسالة الاسلام الحق المبين هي الرسالة الاخيرة وبراهينها معها وحجيتها قائمة للابد لا تزول فكانت بعدل الله ورحمته للعباد ، وكان حقا قول الله سبحانه (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً