وهذا القرآن المجيد انما جاء ليكون كتاب الامة المؤمنة في حياتها الى يوم القيامة ، الكتاب الذي يبني تصورها الاعتقادي ، كما يبين نظامها الاجتماعي.
وها هو ذا يعلمها ألا يكون ولاؤها الا لله ولرسوله وللمؤمنين ، وينهاها أن يكون ولاؤها لليهود والنصارى والكافرين المستهزئين بدينها وعبادتها لخالقها لسخافة عقولهم ، ويجزم ذلك الجزم الحاسم في هذه القضية ، ويعرضها هذا العرض المثير.
ان هذا الدين يأمر أهله بالسماحة اذا كان فيه العزة والكرامة ، ولكنه ينهاهم عن الولاء لأهل العقول السخيفة الذين لا يفرقون بين عبادة الخالق والمخلوق.
انها قضية جازمة حاسمة لا تقبل التمييع ، ولا يقبل الله تعالى فيها هوادة ، بل لا بد فيها من الجد الصارم ، الجد الذي يليق بعزة المسلم وكرامته في شأن الدين.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠))
البيان : ان هذا السؤال الذي وجه الله رسوله الى توجيهه لأهل الكتاب ، هو من ناحية سؤال تقريري لاثبات ما هو واقع بالفعل منهم. وكشف حقيقة البواعث التي تدفع بهؤلاء المغضوب عليهم عند الله وعند العقل السليم ، وعند الحق والعدل المستقيم ، تدفع بهم الى موقفهم من الجماعة المسلمة ، ودينها الحق المبين وطاعتها لخالقها وأداء شكرها لمولاها المنعم عليهم بنعم لا تحصى وأهمها ان هداها لمعرفته ، وتوفيقها لعبادته وشكره.