وهنا تتجلى الحقيقة وتنكشف فيها النوايا حسنة كانت أو سيئة ، (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) هنا يدعو القرآن المجيد المؤمن الى الارتفاع عن مقابلة الحقد بالحقد ، والشر بالشر ، ويدعوهم الى الصفح والعفو حتى يأتي الله بأمره ، ويقول لهم : امضوا في طريقكم التي اختارها الله لكم واعبدوا ربكم وادخروا عنده حسناتكم. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ..)
وهكذا يوقظ السياق القرآني وعي الجماعة المسلمة ، ويدعها في انتظار الامر من صاحب المشيئة.
(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣))
الذين كانوا يواجهون المسلمين في المدينة كانوا هم اليهود مباشرة ، والنصارى بالواسطة اذ لم يكن هناك كتلة من النصارى تقف مواقف اليهود ، ولكن النص هنا عام يواجه مقولات الكتلتين ، وهذه حكاية قوليهم مزدوجة ، وان كان كل قول منهم مختص بكتلة.
وهذه القولة كغيرها لاتستند الى أضعف دليل سوى الادعاء الفارغ ، ومن ثم يلقن الله تعالى نبيه ص وآله أن يجيبهم بالتحدي الذي يفرض نفسه في كل دعوى وعلى كل مدع. (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، وهنا يقرر قاعدة التصور الاسلامي في ترتيب الجزاء على العمل وعلى العقيدة والمبدأ ، ويحدد ذلك : انما هو الاسلام والاحسان ، لا الاسم والعنوان.
انا قاعدة واحدة بطرفيها في العقوبة والمثوبة ، في معزل عن كل