روعة من قوة ايمان للأب. واستسلام من الابن لمشيئة خالقهما بدون ادنى تردد او توقف.
(يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ..) فهو يحسّ ما أحسّه من قبل قلب أبيه من أن السعادة الكاملة والدائمة هي باطاعة المخلوق لخالقه مهما كانت ثقيلة المحمل وصعبة المسلك. (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ومرة اخرى يرتفع نبل الطاعة. وعظمة الايمان. وطمأنينة الرضى والتسليم الكامل لما يريده الله ويرضاه. ان الرجل يمضي فيكب أبنه على جبينه استعدادا لتنفيذ أمر خالقه. وان الغلام الصالح يستسلم لتتميم هذا الامر واحراز هذا الرضا. فهذا هو الاستسلام الصحيح. وهذا هو الاسلام والايمان حقيقة. في تنفيذ امر الخالق وكلا المخلوقين قد بلغ منتهى البطولة والعظمة واظهار مرتبة الايمان التي وصلا اليها معا.
انها ليست الشجاعة المادية والاقدام الناشىء عن الهوى والغلبة الحيوانية. انها شجاعة الايمان والعقيدة والقوة المسيطرة على الهوى والشهوات والغرائز الحيوانية.
قد يندفع المجاهد في الميدان ليقتل أو يقتل. ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه ابراهيم الخليل واسماعيل الذبيح شيء آخر ليس هنا دم فائر ولا حماسة دافعة. ولا أندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص.
وانما هي شجاعة الاستسلام للحق وللعدل وللخالق العظيم عن رضا واطمئنان. انما هو استسلام الواعي المتعقل. العارف الخبير بمبدئه ومنتهاه. بكل فرح ورضا. وقد عرف الله تعالى ـ وهو الذي لا يخفى عليه شيء ـ من ابراهيم واسماعيل صدقهما. فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا. وأظهر ذلك للاجيال كيف ينبغي ان يكون الايمان الصحيح.