(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) : وهذا علم الفعال. (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) : أى كثّروا السواد (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) قال الله : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) : أى إنّهم كفروا.
قال الحسن : وإذا قال الله (أَقْرَبُ) فهو اليقين ، أى إنّهم كافرون ، كقوله : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] أى : والعفو هو من التقوى. كذلك النفاق هو من الكفر ، وهو كفر فوق كفر ، وكفر دون كفر. وقد يقول القائل لخصمه : حجّتي أقرب إلى الحقّ من حجّتك ، أى : إنّ حجّتي حقّ ويقين ، وحجّتك باطل وضلال.
وقال الكلبيّ : (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) : كانوا ثلاثمائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبيّ ، فقال لهم [أبو] (١) جابر عبد الله : أناشدكم الله في نبيّكم وذراريكم ودينكم ، فقالوا : والله لا يكون قتال اليوم ، ولو نعلم قتالا لاتّبعناكم يقول الله : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ). (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) : أى : يقولون الإيمان بألسنتهم وقلوبهم مضمرة على ترك الوفاء بما أقرّوا به من القول والعمل (٢). (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (١٦٧) : أى من ترك الوفاء بالعمل بالذي أقرّوا به من القول والعمل. قوله : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) : يعني من قتل من المؤمنين يوم أحد ، هم إخوانهم بزعمهم لإقرارهم بدينهم وادّعائهم ملّتهم ورضاهم بأحكامهم ؛ فقال : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) بهذا المعنى وعلى هذا التفسير. (وَقَعَدُوا) أى : عن القتال (لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) أى لو أطاعونا ما خرجوا مع محمّد ، ولعملوا كما عمل المنافقون [ولما قتلوا] (٣). قال الله : (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٦٨) : أى : لا تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم الموت.
__________________
(١) ورد في النسخ الثلاث ق ، وع ، ود : «جابر بن عبد الله» ، وهو خطأ ، والصحيح أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة ، كما جاء في سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ٦٤ ، وفي مغازي الواقدي ج ١ ص ٢١٩ ، وهو والد جابر بن عبد الله الصحابيّ الجليل ، وكان أبو جابر عبد الله نقيبا شهد العقبة ثمّ بدرا ، وهو أوّل شهيد استشهد يوم أحد ومثّل به ، وقد صلّى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل الهزيمة. انظر ترجمته في الاستيعاب لابن عبد البرّ ، ج ٣ ص ٩٥٤ ، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٧.
(٢) كذا وردت العبارة في د ، وفي ق وع : «من ترك الوفاء بالعمل الذي أقروا به مع القول» ، والمعنى واحد.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.