سورة النساء مخرجه إلى حجّة الوداع : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ...) إلى آخر السورة ؛ وكان يقال لها آية الصيف.
وقال الحسن : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أى يئسوا أن يستحلّوا فيه ما استحلّوا في دينهم (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) يعني باليوم زمان النبيّ عليهالسلام كلّه.
(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) : أى بالجنّة. قال : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) : أى في مجاعة خمص لها بطنه. رجع إلى الكلام الأوّل في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ...) إلى آخر الآية (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) : أى غير متعمّد لإثم ، في تفسير الحسن. وقال بعضهم : غير متعرّض لمعصية الله (١). قال الله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).
قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) : يعني الحلال من الذبائح (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) : قال مجاهد : هي من الطير والكلاب. (مُكَلِّبِينَ) : أى : مضرين (٢) (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤).
ذكروا عن عديّ بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنّ لنا كلابا مكلّبة نرسلها فتأخذ الصيد وتقتل ، قال : كل ، قلت : وإن قتلن ، قال وإن قتلن ما لم يخالطها كلب من غيرها (٣).
__________________
(١) قال ابن قتيبة في غريب القرآن ، ص ١٤١ : «((غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) : أى منحرف مائل إلى ذلك ، والجنف : الميل. والإثم : أن يتعدّى عند الاضطرار فيأكل فوق الشبع».
(٢) أضرى الكلب إذا عوّده الصيد وأغراه به. وسمّيت جوارح الطير والكلاب جوارح ، واحدته جارحة ، لأنّها تجرح لأهلها ، أى تكسب لهم من الصيد. يقال : جرح الشيء واجترحه ، أى : كسبه. ومنه قوله تعالى في سورة الأنعام : ٦٠ (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ،) أى : ما كسبتم. انظر : اللسان (جرح) وانظر تفسير الطبري ، ج ٩ ص ٥٤٣.
(٣) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد ، باب ما أصاب المعراض بعرضه ، وأخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح ، باب الصيد بالكلاب المعلّمة (١٩٢٩) كلاهما من حديث عديّ بن حاتم.