ويأخذ قدحا آخر ويقول : هذا يأمرني بالمكوث ، ولست بمصيب في سفري خيرا ، والمنيح بينهما ، فنهوا عن ذلك (١).
وقال الكلبيّ : إذا كانت بينهما مداراة (٢) جعلوا لكلّ رجل سهما وللحضر سهما ، ثمّ أجالوا السهام ، فمن خرج سهمه فهو أولى بالحقّ. وكانوا يجعلون للسفر سهما وللحضر سهما ، ثمّ يقولون : ربّنا أيّهم كان خيرا لفلان فأخرجه ؛ فأيّهما خرج رضي به.
وقال مجاهد : كانوا يجعلون ذلك لكلّ سفر وحرب وتجارة.
قوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) : يعني أنّ الله حرّمه.
قوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) : قال بعضهم : ذكر لنا أنّها نزلت على نبيّ الله يوم عرفة ، يوم جمعة ، حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ، وأخلص الله للمسلمين حجّهم. قال : وفي تفسير بعضهم : فلم يحجّ بعد مشرك.
ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قرأ هذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وعنده رجل من اليهود فقال اليهوديّ : لو أنّ هذه الآية نزلت علينا لا تّخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال ابن عبّاس : فإنّها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم جمعة ويوم عرفة (٣).
وقال الكلبيّ : نزلت يوم عرفة حين فرغ من تنزيل الحلال والحرام ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ، غير أنّه في سورة البقرة على رأس ثمانين ومائتي آية : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) [سورة البقرة : ٢٨١]. نزلت هذه الآية بمنى بعد يوم النحر في حجّة رسول الله التي يقال لها : حجّة الوداع ، والآية التي في آخر
__________________
(١) جاءت العبارة مضطربة في ع ، وجاءت في ز ناقصة ، وفي د جاءت بصيغة الغائب : «هذا يأمره بالخروج» و «هذا يأمره بالمكوث». فأثبتّ ما هو صواب حتّى يستقيم المعنى.
(٢) كذا في ع ود : «مداراة» ، ويبدو أنّ في الكلمة تصحيفا صوابها «مماراة» بمعنى المجادلة والخصام ، ومن معاني المداراة المخاتلة ، ولكن هذا غير مناسب هنا.
(٣) نسب مثل هذا الأثر إلى عمر بن الخطّاب أيضا. وقد روى الطبريّ في تفسيره الأثرين معا في ج ٩ ص ٥٢٤ ـ ٥٢٥.