ارتحلوا ، أربعين سنة عذابا عذّبهم الله بدعوة موسى.
قال مجاهد : كانوا يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا ، وفي تيههم ذلك ضرب لهم موسى الحجر. قال الله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
ذكر لنا أنّه كان طول موسى سبعة أذرع ، وطول عصاه سبعة أذرع ، ووثب من الأرض سبعة أذرع ، فأصاب كعب ذلك الجبّار الذي قتل. وذلك أنّه بلغنا أنّه أشرف على عسكرهم يريدهم.
قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) : أى خبر ابني آدم (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧) : قال الكلبيّ : كانت حوّاء تلد في كلّ بطن اثنين : غلاما وجارية ؛ فولدت في أوّل بطن قابيل ابن آدم وأخته ، وفي البطن الثاني هابيل وأخته. فلمّا أدركوا أمر آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل. فقال آدم لامرأته الذي أمر به ؛ فذكرته لابنيها ، فرضي هابيل بالذي أمر به ، وسخط قابيل لأنّ أخته أحسنهما ، فقال : ما أمر الله بهذا قطّ ، ولكن هذا عن أمرك يا آدم. قال آدم : فقرّبا قربانكما فأيّكما كان أحقّ بها أنزل الله نارا من السماء فأكلت القربان. فرضيا بذلك ، فعمد هابيل ، وكان صاحب ماشية ، إلى خيار غنمه وزبد ولبن (١) وكان قابيل زرّاعا ، فأخذ من سوء زرعه ، ثمّ صعد الجبل وآدم معهما. فوضعا القربان على الجبل ، فدعا آدم ربّه ، وقال قابيل في نفسه : لا أدري أيقبل منّي أم لا ، لا ينكح هابيل أختي أبدا. فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، وتجنّبت قربان قابيل لأنّه لم يكن زاكي القلب. فنزلوا من الجبل. فانطلق قابيل إلى هابيل وهو في غنمه فقال : لأقتلنّك ، قال : لم؟ قال : لأنّ الله تقبّل منك وردّ عليّ قرباني ، وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك القبيحة ، ويتحدّث الناس بعد اليوم أنّك خير منّي ، فقال له هابيل :
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ
__________________
ـ الظرفيّة بقوله : (يَتِيهُونَ). ومن المفسّرين من جعل (أَرْبَعِينَ) منصوبا بقوله : (مُحَرَّمَةٌ) أى محرّمة عليهم أربعين سنة. انظر كيف علّل الطبريّ في تفسيره ، ج ١٠ ص ١٩٨ ترجيحه لهذا الوجه الأخير. أمّا الفرّاء في معاني القرآن ، ج ١ ص ٣٠٥ فقد صوّب الوجهين.
(١) في د وفي ز ورقة ٨١ : «إلى خير غذاء غنمه وزبد ولبن» وأثبتّ ما في ع : «إلى خيار غنمه» ، وهذه العبارة الأخيرة أنسب وأصحّ. ولم أجد فيما بين يديّ من كتب التفسير ذكرا للزبد واللبن في هذا السياق.