(قالَ) الله لموسى : إذ سمّيتهم فاسقين : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ) : أى فلا تحزن (عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) : فتاهوا أربعين سنه.
قال الكلبيّ : لّما قالوا (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً) قال الله : فإنّها محرّمة عليهم أبدا ، مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة. قال : فلم يدخلها أحد ممّن كان مع موسى ؛ هلكوا أجمعون في التيه إلّا رجلين : يوشع بن نون وكالوب ، وأنزل الله عليهم في تلك الأربعين سنة المنّ والسلوى وثيابا لا تخرق ولا تدنّس ، تشبّ مع الصغير ، وخفافا لا تخرق ، فكان لهم ذلك في تيههم حتّى دخلوا أريحا (١) مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى صلىاللهعليهوسلم وعلى جميع الأنبياء.
(٢) وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ يوشع بن نون وكالوب بعثوا اثني عشر رجلا من كلّ سبط رجلا عيونا لهم ليأتوهم بأمر القوم. فأمّا عشرة فجبنوا وكرهوا الدخول إليهم. وأمّا يوشع وصاحبه فأمر بالدخول فاستقاما على أمر الله ورغّبا قومهما في ذلك. وقال بعضهم : جبن القوم عن عدوهم وتركوا أمر ربّهم. قال الله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ، أَرْبَعِينَ سَنَةً) ، إنّما يشربون ماء الآبار ، لا يهبطون قرية ولا مصرا ، لا يهتدون لها ولا يقدرون على ذلك.
(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ). قال بعضهم : ذكر لنا أنّه كان فيها قوم لهم أجسام وخلق منكر. قوله : (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) : أى حتّى يخرج الجبّارون منها ، (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) : أى فإذا دخلتم باب مدينة الجبّارين فإنّكم غالبون. (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).
قال الحسن : قال الله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) أبدا في الإضمار ، ثمّ قال : (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) (٣) أربعين سنة كانوا يرتحلون من المنزل فيسيرون يومهم وليلتهم ، ثمّ يصبحون حيث
__________________
(١) أريحا : بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها ياء ساكنة وحاء مهملة ثمّ قصر ، مدينة الجبّارين في الغور من أرض الأردن بالشام. قيل : سمّيت بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن نوح عليهالسلام. ولا تزال معروفة إلى اليوم.
(٢) من هنا يتغيّر الخطّ في مخطوطة العطف التي أرمز لها بحرف ع ، فيصبح خطّا رديئا رقيقا متداخل الحروف.
(٣) هذا على قراءة من جعل الوقف تامّا في قوله : (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) ، وجعل قوله : (أَرْبَعِينَ سَنَةً) منصوبا على ـ