قوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) : التي بورك فيها. قال بعضهم : يعني الشام. وقال مجاهد : يعني الطور وما حوله. قوله : (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) : أى كتب الله لبني إسرائيل ، أى أمر بني إسرائيل أن يدخلوها فدخلها أبناؤهم ، ولم يدخل إلّا رجلان يوشع بن نون وكالوب (١) وأبناؤهم ، وهم بنو إسرائيل. (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) : أى كافرين (فَتَنْقَلِبُوا) : إلى الآخرة (خاسِرِينَ) (٢١) : أى قد خسرتم الجنّة.
قال الكلبيّ : كانوا بجبال أريحا من الأردن ، فجبن القوم أن يدخلوها ، فأرسلوا جواسيس ، من كلّ سبط رجلا ، ليأتوهم بخبر الأرض المقدّسة. قال الله جلّ ثناؤه لإبراهيم عليهالسلام ، وإبراهيم إذ ذاك بأرض فلسطين : يا إبراهيم إنّ هذه الأرض التي أنت فيها ميراث لولدك من بعدك ، فدخل الاثنا عشر ، فمكثوا فيها أربعين ليلة ، ثمّ خرجوا ، فصدق اثنان وكذب عشرة ؛ فقالت العشرة : رأينا أرضا تأكل (٢) أهلها ، ورأينا فيها حصونا منيعة ، ورأينا رجالا جبابرة ينبغي لرجل منهم مائة منّا ، فجبنت بنو إسرائيل وقالوا : والله لا ندخلها.
(قالُوا) : لموسى عليهالسلام (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ) : أحدهما يوشع بن نون والآخر كالب ، وهما اللذان قال الله فيهما (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) : بمخافتهما الله : نحن أعلم بالقوم من هؤلاء ، إنّ القوم قد ملئوا منّا رعبا. (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) : قال مجاهد : باب مدينة الجبّارين (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٣).
قال الكلبيّ : قالوا : يا موسى أيكذّب منّا عشرة ويصدّق اثنان؟ (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤). وكان موسى صلىاللهعليهوسلم وعلى جميع الأنبياء حديدا ف (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) : أى وأخي لا يملك إلّا نفسه (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) : يعني قومه.
__________________
(١) في ع ود : «طالوت». وهو خطأ ولا شكّ. وقد ورد هذا الاسم بلفظ كالوب وكالب في تاريخ الطبري وفي تفسيره ، وفي تفسير القرطبي وغيرهما في المصادر. وانظر التعليق السالف قريبا ، تفسير الآية ١٢ من هذه السورة.
(٢) في ع : «أرضا باطل أهلها» ، وفيه تصحيف صوابه ما جاء في د : «تأكل أهلها».