من عبد القيس من البحرين فقالوا : أمّا الصلاة فنصلّي ، وأمّا الزكاة فو الله لا نعطي أموالنا. فكلّم أبو بكر أن يتجاوز عنهم وأن يخلّي عنهم ، وقيل له : إنّهم لو قد فقّهوا أعطوا الزكاة طائعين. فأبى أبو بكر وقال : لا أفرّق بين اثنين جمع بينهما الله وجمع بينهما رسوله : الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عقالا ممّا فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه. وذكروا أنّ أبا بكر إنّما قال : لو منعوني عقالا ممّا فرض الله ورسوله أنّه من وجب عليه في الزكاة بعير وجب عليه أن يعطي مع البعير عقالا. فبعث الله عصابة مع أبي بكر فقاتلوا على ما قاتل عليه نبيّ الله حتّى أقرّوا بالماعون ، وهي الزكاة المفروضة.
ثمّ إن وفود العرب أتوه بعد ذلك فخيّرهم بين حرب مجلية أو خطّة مخزية ، فاختاروا الخطّة المخزية ؛ وكانت أهون عليهم أن يشهدوا أنّ قتلاهم في النار وأنّ قتلى المسلمين في الجنّة ؛ وأنّ ما أصابوا من مال المسلمين فردّ عليهم ، وأنّ ما أصاب المسلمون من أموالهم فهو لهم حلال (١).
قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥) : قال الحسن : هو كقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] ، وكقوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ٢٥٧] ، وكقوله : (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) (١٩٦) [الأعراف : ١٩٦]. قال الكلبيّ : بلغنا أنّ عبد الله بن سلام ورهطا من مسلمي أهل الكتاب أتوا النبيّ عند صلاة الظهر فقالوا : يا رسول الله ، إنّ بيوتنا قاصية ، ولا نجد متحدّثا دون المسجد ، وإن قومنا لّما رأونا قد قصدنا (٢) الله ورسوله وتركناهم ودينهم أظهروا لنا العداوة ، وأقسموا ألّا يخالطونا ولا يجالسونا ، فشقّ ذلك علينا. فبينما هم يشكون ذلك إلى النبيّ إذ نزلت هذه الآية ، فلمّا قرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : رضينا الله ورسوله والمؤمنين أولياء. وأذّن بلال بالصلاة. فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم والناس يصلّون بين قائم وراكع وساجد (٣).
__________________
ـ المدينة ، وقد أورد الطبري في تاريخه ، ج ٣ ص ٣٠٤ خبر أهل البحرين وردّة الحطم. وانظر : معجم ياقوت ، ج ١ ص ١٧٤.
(١) كذا في ع ، وفي د : «وأنّ ما أصابوا للمسلمين من مال ردّوه عليهم وأنّ ما أصاب المسلمون لهم فهو لهم حلال».
(٢) كذا في ع : «قصدنا». وفي د وز ، ورقة ٨٤ : «صدقنا». ولكلّ وجه مقبول ، وإن كان اللفظ الأخير أنسب.
(٣) جاء في ز ورقة ٨٥ بعد هذا ما يلي : «وإذا هو بمسكين يسأل ، فدعاه رسول الله فقال له : هل أعطاك أحد ـ