ولّما كانت بعض النسخ غير مؤرّخة ، وكانت أصول المخطوطات متعدّدة ، رأيت من الأوفق للتحقيق ألّا أتّخذ بعضها أصلا دون الأخرى ، بل جعلتها كلّها أصولا ؛ فما نقص من واحدة أكملته من الأخرى ، وصحّحت خطأ هذه بما جاء صوابا في تلك ، مع الإشارة إلى أغلب الأخطاء أو النقص أو اختلاف في العبارة على الهوامش. وهكذا أكون قد قدّمت إن شاء الله أكمل نصّ وأصحّه بالنسبة لجميع النسخ.
هذه هي أهمّ المخطوطات التي اعتمدتها في التحقيق ، وتلك هي طريقتي في العمل ، فإن حالفني التوفيق فذلك من فضل الله ونعمته عليّ ، وله الحمد والشكر بما هو أهله ، وإن كانت الأخرى فأستغفر الله وأتوب إليه ، وعذري في ذلك أنّ هذا أوّل عمل أقوم به في التحقيق ، فلا عجب أن يتّسم بالنقص والزلل. وفي ملاحظات القرّاء ما يصحّح الخطأ ويقوّم المعوجّ ، ويكمل النقص إن شاء الله.
وبعد فهذا تفسير الشيخ هود الهوّاريّ أقدّمه بين يدي القرّاء ، وهو ينشر لأوّل مرّة ، وأنا بعد كلّ هذا سعيد بتوفيق الله إيّاي إلى إخراجه إلى النور لإبرازه لأبناء الإسلام ومحبّي لغة القرآن ، وسعيد بأنني عشت في رحاب القرآن سنوات وسنوات ، وأمضيت بجواره أيّاما وليالي هي من أحسن أيّام العمر. وهل هنالك لحظات أسعد وأهنأ وآنس للنفس وأمتع من تلك التي يقضيها المؤمن مع كتاب ربّه ، يتدبّر معانيه ، ويستجلي أسراره ، ويتلقّى نفحاته؟. وهل هنالك أروح للقلب وأدعى للطمأنينة وأكثر جلبا للمسرّة من تلك الساعات التي ينقطع فيها المسلم إلى ربّه يناجيه من خلال آياته المتلوّة أو المجلوّة ، فتزيده إيمانا على إيمان ، وتقوى على تقوى؟! إنّه القرآن! عظيم شأنه في النفوس المؤمنة ، وعجيب أمره في القلوب المخلصة. فاللهمّ أكرمنا من فضائله ، وامنن علينا ببركاته ، وانفعنا بهدايته.
هذا وأرى من الواجب عليّ أن أذكر هنا بكلّ خير ، اعترافا بالجميل ، وتسجيلا للحقيقة ، إخوانا لي وأصدقاء أمدّوني بمساعدتهم العلميّة والأدبيّة ، وأخصّ بالذكر منهم صديقي الأستاذ الحاج محمّد اطفيّش الذي يسّر لي في القاهرة طريق الوصول إلى بعض المصادر والحصول على بعض المخطوطات بكرمه وحسن مشورته ، وصديقي الدكتور فرحات الجعبيري في تونس. فقد كان سعيه معي في جربة وإمداده إيّاي ببعض الوثائق أكبر حافز لي على العمل ، وفي الجزائر صديقي الدكتور محمّد ناصر ، وشقيقي وعزيزي محمّد ، لما قدّما إليّ من توجيه سديد ، ومساعدة