مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) : قال الحسن : يقولون : هل ربّك فاعل ذلك؟ وهو كلام من كلام العرب ؛ ما أستطيع ذلك ، أى : ما أنا فاعل ذلك ، وهو معروف في اللغة.
ذكروا عن عائشة قالت : هم كانوا أعلم بالله من أن يقولوا : هل يستطيع ربّك ، ولكن قالوا : هل يستطيع ربّك ، أى هل تقدر على هذا منه (١).
قوله : (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١١٢) : أى لّما سمع عيسى ذلك منهم قال : اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين.
(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) : أى وتسكن قلوبنا إذا نظرنا إلى المائدة. قال الحسن : ليس ذلك منهم على وجه الشكّ. وهو كقوله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠]. (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) : وهم عالمون بذلك (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) (١١٣) : أى أنّها نزلت من عند الله.
(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) : قال الحسن : يعني أوّل المسلمين وآخرهم. وقال مجاهد : (لِأَوَّلِنا) : لأهل زماننا ، (وَآخِرِنا) : من يأتي بعدنا. (وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١٤)
(قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) على شرط (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) : يعني عذاب الدنيا (عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (١١٥). فلمّا اشترط عليهم. كرهوا ذلك الشرط فلم ينزلها. قال بعضهم : والعامّة على أنّها قد نزلت.
ذكروا أنّ عمار بن ياسر قال : قد نزلت. ذكروا عن سعيد بن جبير وغيره عن ابن عبّاس قال : قد أنزل عليهم كلّ شيء غير اللحم. قال بعضهم : نزل عليهم خبز وحيتان. وقال مجاهد :
__________________
(١) ورد هذا الخبر في ز ورقة ٨٩ مسندا هكذا : «يحيى عن عثمان عن أبي الأشهب عن القاسم بن محمّد عن عائشة». وأورده الطبري في تفسيره ، ج ١١ ص ٢١٩ بسند آخر : عن ابن وكيع عن محمّد بن بشير عن نافع عن ابن عمر عن أبي مليكة عن عائشة قالت : «كان الحواريّون لا يشكّون أنّ الله قادر على أن ينزل عليهم مائدة ولكن قالوا : يا عيسى هل تستطيع ربّك؟». وهذه قراءة نسبت إلى سعيد بن جبير ، كما في تفسير الطبري ، ج ١١ ص ٢١٩. وقال ابن الأنباريّ في البيان في غريب إعراب القرآن ، ج ١ ص ٣١٠ : «قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) قرئ بالتاء والنصب ، والتقدير فيه : هل تستطيع سؤال ربّك ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه».