المائدة طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا.
قوله : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ذكر بعضهم قال : ذكر لنا أنّهم لّما صنعوا في المائدة ما صنعوا من الخيانة وغيرها حوّلوا خنازير. وذكر لنا أنّ المائدة كانت خوانا ؛ ينزل عليهم ثمر من ثمر الجنّة على خوان فيأكلون منه ، فأمر القوم أن لا يخونوا فيه ولا يخبئوا ولا يدّخروا لغد. فخان القوم وخبأوا وادّخروا لغد. قال : وهو قوله : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [المائدة : ٧٨] أى مسخوا في زمان داود قردة ، ومسخوا في زمان عيسى خنازير.
قوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) : [يعني لبني إسرائيل خاصّة] (١). قال الحسن : يقوله يوم القيامة ، أأنت قلت للناس (اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ) : ينزّه الله أن يكون قاله (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) : أى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم أنت (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١١٦) وقد علم الله أنّه لم يقله.
(ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) : وهذه وفاة الرفع إلى السماء (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) : أى الحفيظ عليهم (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١١٧). (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) : أى : فبإقامتهم على كفرهم (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) فبتوبة كانت منهم (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١١٨). (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) والصادقون هاهنا هم النبيّون (يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) أى : أنّهم قد بلّغوا الرسالة. وهي تقرأ على وجه آخر : (هذا يَوْمُ) ، منوّنة ، (يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ. لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقد فسّرنا الأنهار في غير هذا الموضع (٢). (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لا يموتون ولا يخرجون منها. (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أى الثواب (٣). (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١٩) قال بعضهم : فازوا
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٩٠.
(٢) انظر ما سلف تفسير الآية ٢٥ من سورة البقرة.
(٣) كذا في د وع : «الثواب» ، أى : ذلك أعظم الثواب ، وهو كقوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة ٧٢].