ذكروا عن رجل من التابعين أنّه لّما كتب المصحف جاء رجلان فشهدا على الآية أنّهما سمعاها من النبيّ صلىاللهعليهوسلم فكتبت (١) في المصحف. فجاء رجل (٢) بهذه الآية : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٢٨) [سورة التوبة : ١٢٨] ، فطلبوا معه رجلا آخر فلم يجدوه ، فقال عمر بن الخطّاب : أنا أشهد أنّ رسول الله كان هكذا ، فاكتبوها بشهادته وشهادتي ، فكتبت بشهادتهما.
ذكروا أنّ ميمون بن مهران أو غيره قال : مصحفنا هذا ثلاث عشرة ومائة سورة (٣) ، ومصحف أبي خمس عشرة ومائة سورة ، وفيه هاتان السورتان : اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك (٤). وفي مصحف ابن مسعود إحدى عشرة ومائة سورة ليس فيها المعوّذتان ولا سور أبيّ.
ذكروا عن ابن عبّاس قال : قلت لعثمان بن عفّان : كيف جعلتم براءة ، وهي من الطّول ، مع الأنفال ، وهي من المئين (٥) ، ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرّحمن الرّحيم)؟ فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت تنزل عليه الثلاث الآيات والأربع الآيات والخمس الآيات جميعا ، أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، فيقول : اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا في موضع كذا وكذا ، واجعلوا آية كذا وكذا في موضع كذا وكذا في سورة كذا وكذا. وإنّه قبض ولم يقل لنا في براءة شيئا. ونظرنا قصّتهما متشابهة (٦) فجعلناها معها ولم نكتب بينهما سطر (بسم الله الرّحمن الرّحيم).
__________________
ـ أنزلت الليلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). [الفلق : ١ ، والناس : ١].
(١) كذا في د ، وفي ع : «ثمّ كتبت».
(٢) قيل هو خزيمة بن ثابت الخطمي الأنصاري. كان يدعى ذا الشهادتين لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أجاز شهادته بشهادة رجلين. انظر ابن عبد البر ، الاستيعاب ج ٢ ص ٤٤٨ ، وانظر الذهبي سير أعلام النبلاء ، ج ٢ ، ٣٤٦ ـ ٣٤٧.
(٣) هذا العدّ يجعل سورتي الأنفال والتوبة سورة واحدة.
(٤) تسمّيان سورتي الحفد والخلع. وقد أوردهما السيوطي في الإتقان ج ١ ص ١٨٥.
(٥) كذا في دوع : «وهي من المئين» ، والصحيح أنّ الأنفال من المثاني باتّفاق ، واختلف في براءة هل هي من الطول أو من المئين؟ فبعضهم جعلها مع الأنفال سورة واحدة وعدّها مكمّلة للسبع الطول ، وبعضهم جعل يونس بدلا عنها وجعل براءة من المئين. انظر تفسير القرطبي ج ٨ ص ٦٢ ، والسيوطي ، الإتقان ج ١ ص ١٧٢.
(٦) كذا في ع. وفي د : «وكانت قصّتهما متشابهة». وفي تفسير الطبريّ ج ١ ص ١٠٢ : «وكانت قصّتها شبيهة ـ