الاختيار لتنظر ما ذا أقدّم لدار القرار ، فأنا عتيقك اللهمّ من جميع المصائب واللّوازب (١) والغموم الّتي ساورتني فيها الهموم بمعاريض القضاء ، ومصروف جهد البلاء ، لا أذكر منك إلاّ الجميل ، ولا أرى منك غير التّفضيل ، خيرك لي شامل ، وفضلك عليّ متواتر. ونعمك عندي متّصلة ، وسوابق لم تحقّق حذاري ، بل صدّقت رجائي. وصاحبت أسفاري ، وأكرمت أحضاري ، وشفيت أمراضي ، وعافيت أوصابي ، وأحسنت منقلبي ومثواي ، ولم تشمت بي أعدائي ، ورميت من رماني ، وكفيتني شرّ من عاداني.
وفي هذا المقطع التذلّل والخشوع أمام الله تعالى ، والثناء على ألطافه ونعمه المتواصلة عليه ، فهو يجده عند كلّ ما ألمّ به من شئون الحياة ، ثمّ يعرض الإمام إلى فصل آخر من دعائه قائلا :
اللهمّ كم من عدوّ انتضى عليّ سيف عداوته ، وشحذ لقتلي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حدّه ، وداف لي قواتل سمومه ، وسدّد لي صوائب سهامه ، وأضمر أن يسومني المكروه ، ويجرّعني زعاف مرارته ، فنظرت يا إلهي إلى ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن الانتصار ممّن قصدني بمحاربته ، ووحدتي في كثير ممّن ناواني ، وأرصد لي فيما لم أعمل فيه فكري في الانتصار من مثله ، فأيّدتني يا ربّ بعونك ، وشددت أيدي بنصرك ، ثمّ فللت لي حدّه ، وصيّرته بعد جمع عديده وحده ، وأعليت كعبي عليه ، ورددته حسيرا لم تشف غليله ، ولم تبرّد حرارات غيظه ، قد عضّ عليّ شواه وآب مولّيا قد أخلفت سراياه وأخلفت آماله.
__________________
(١) اللوازب : الشدائد.