حارت في ملكوتك عميقات مذاهب التّفكير ، وحسر عن إدراكك بصر البصير ، وتواضعت الملوك لهيبتك ، وعنت الوجوه بذلّ الاستكانة لعزّتك ، وانقاد كلّ شيء لعظمتك ، وأستسلم كلّ شيء لقدرتك ، وخضعت الرّقاب لسلطانك ، وضلّ هنالك التّدبير في تصاريف الصّفات لك ، فمن تفكّر في ذلك رجع طرفه إليك حسيرا ، وعقله مبهوتا مبهورا ، وفكره متحيّرا ...
عرض إمام المتّقين في بداية هذا المقطع إلى تقديس الله وتعظيمه وتمجيده بجميع ما تحتوي عليه هذه الكلمات من أبعاد ثمّ عرض إلى عظيم قدرة الله تعالى التي لا تحد ولا توصف ، وإلى بعض صفاته التي يقف الفكر أمامها حائرا وهو حسير لا يصل إلى معرفة كنهها والإحاطة بها ، ثمّ يأخذ الإمام عليهالسلام في دعائه قائلا :
اللهمّ فلك الحمد متواترا متواليا متّسقا مستوثقا ، يدوم ولا يبيد غير مفقود في الملكوت ، ولا مطموس في العالم ، ولا منتقص في العرفان ، ولك الحمد حمدا لا تحصى مكارمه في اللّيل إذا أدبر ، وفي الصّبح إذا أسفر ، وفي البرّ والبحر ، وبالغدوّ والآصال ، والعشيّ والإبكار ، والظّهيرة والأسحار.
وأعرب الإمام عليهالسلام في هذه الكلمات عن حمده المتّصل لله تعالى وثنائه عليه ، ثناء لا ينقطع في جميع الأوقات ، ويقول عليهالسلام :
اللهمّ بتوفيقك قد أحضرتني النّجاة ، وجعلتني منك في ولاية العصمة ، ولم تكلّفني فوق طاقتي إذ لم ترض عنّي إلاّ بطاعتي ، فليس شكري ، وإن دأبت منه في المقال ، وبالغت منه في الفعال ببالغ أداء حقّك ، ولا مكاف فضلك لأنّك أنت الله الّذي لا إله إلاّ أنت لم تغب عنك غائبة ، ولا تخفى عليك خافية ، ولا تضلّ لك في