مغتبطا بغرّة الأمل ، معرضا عن زواجر الأجل ، لم ينفعني حلمك عنّي ، وقد أتاني توعّدك بأخذ القوّة منّي ، حتّى دعوتك على عظيم الخطيئة ، أستزيدك في نعمك غير متأهّب لما قد أشرفت عليه من نقمتك ، مستبطئا لمزيدك ، ومتسخّطا لميسور رزقك ، مقتضيا جوائزك بعمل الفجّار ، كالمراصد رحمتك بعمل الأبرار ، مجتهدا أتمنّى عليك العظائم كالمدلّ الآمن من قصاص الجرائم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ...
وحكى هذا المقطع مدى ألطاف الله ، وعظيم فضله وإحسانه على عباده ؛ مع ما يصدر منهم من سوء الأعمال ، والتنكّر لألطافه ونعمه عليهم ، وهو مع ذلك يقابلهم بالمزيد من برّه وفضله ، ويأخذ الإمام بالتضرّع إليه تعالى قائلا :
مصيبة عظم رزؤها ، وجلّ عقابها ، بل كيف ـ لو لا أملي ، ووعدك الصّفح عن زللي ـ أرجو إقالتك ، وقد جاهرتك بالكبائر ، مستخفيا عن أصاغر خلقك؟
فلا أنا راقبتك وأنت معي ، ولا راعيت حرمة سترك عليّ.
بأيّ وجه ألقاك؟ وبأيّ لسان اناجيك؟ وقد نقضت العهود والأيمان بعد توكيدها ، وجعلتك عليّ كفيلا ، ثمّ دعوتك مقتحما في الخطيئة فأجبتني ، ودعوتني وإليك فقري؟ فوا سوأتاه وقبح صنيعاه! سبحانك أيّة جرأة تجرّأت ، وأيّ تغرير غرّرت نفسي؟ سبحانك! فبك أتقرّب إليك ، وبحقّك أقسم عليك ، ومنك أهرب إليك ، بنفسي استخففت عند معصيتي لا بنفسك ، وبجهلي اغتررت لا بحلمك ، وحقّي أضعت لا عظيم حقّك ، ونفسي ظلمت ، ولرحمتك الآن رجوت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وإليك