صوتي ، وقمت لك حتّى تنتشر قدماي ، وركعت لك حتّى ينجذع صلبي ، وسجدت لك حتّى تتفقّأ حدقتاي ، وأكلت التّراب طول عمري ، وشربت ماء الرّماد آخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتّى يكلّ لساني ، ثمّ لم أرفع طرفي إلى آفاق السّماء استحياء منك ، لما استوجبت بذلك محو سيّئة واحدة من سيّئاتي ، فإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك ، وتعفو عنّي حين أستحقّ عفوك ، فإنّ ذلك غير واجب لي بالاستحقاق ، ولا أنا أهل له على الاستيجاب ؛ إذ كان جزائي منك من أوّل ما عصيتك النّار ، فإن تعذّبني فإنّك غير ظالم ...
وحوى هذا المقطع من دعاء الإمام عليهالسلام تذلّله وخوفه وخشيته من الله تعالى ، وأنّه أهل لأن لان يتّقى من عذابه. والفصل الأخير من هذا الدعاء قوله عليهالسلام :
إلهي فإن تغمّدتني بسترك فلم تفضحني ، وأمهلتني بكرمك فلم تعاجلني ، وحلمت عنّي بتفضّلك فلم تغيّر نعمك عليّ ، ولم تكدّر معروفك عندي ، فارحم طول تضرّعي وشدّة مسكنتي وسوء موقفي. اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأنقذني من المعاصي ، واستعملني بالطّاعة ، وارزقني حسن الإنابة ، وطهّرني بالتّوبة ، وأيّدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وارزقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك ، واكتب لي أمانا من سخطك ، وبشّرني بذلك في العاجل دون الآجل ، بشرى أعرفها ، وعرّفني له علامة أتبيّنها إنّ ذلك لا يضيق عليك في وجدك ، ولا يتكاءدك في قدرتك ، وأنت على كلّ شيء قدير (١).
أرأيتم هذا الإيمان الوثيق بالله؟ أرأيتم هذا التضرّع أمام الله تعالى؟
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦ : ١٨٠ ـ ١٨٢.