واعلم يا بنيّ! أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وللموت لا للحياة ؛ وأنّك في منزل قلعة ودار بلغة ، وطريق إلى الآخرة ، وأنّك طريد الموت الّذي لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، ولا بدّ أنّه مدركه ، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيّئة ، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة ، فيحول بينك وبين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك ...
انّ الإنسان خلق للآخرة لا للدنيا ، وللموت لا للبقاء ، وأنّ الموت يلاحقه حتى ينتزعه من الدنيا ، وعلى الإنسان الواعي أن يبادر للتوبة عمّا صدر منه من المعاصي قبل فوات الأوان منه .. ثمّ قال الإمام عليهالسلام :
يا بنيّ! أكثر من ذكر الموت ، وذكر ما تهجم عليه ، وتفضي بعد الموت إليه ، حتّى يأتيك وقد أخذت منه حذرك ، وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك.
وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها ، وتكالبهم عليها ، فقد نبّأك الله عنها ، ونعت هي لك عن نفسها ، وتكشّفت لك عن مساويها ، فإنّما أهلها كلاب عاوية ، وسباع ضارية يهرّ بعضها على بعض ، ويأكل عزيزها ذليلها ، ويقهر كبيرها صغيرها.
نعم معقّلة ، وأخرى مهملة ، قد أضلّت عقولها ، وركبت مجهولها.
سروح عاهة (١) بواد وعث ، ليس لها راع يقيمها ، ولا مسيم يسيمها (٢).
__________________
(١) السروح العاهة : هي الإبل السائبة التي ترعى الآفات.
(٢) يسيمها : أي يسرحها إلى المرعى.