وإيّاك أن تجمح بك مطيّة اللّجاج. احمل نفسك من أخيك عند صرمه (١) على الصّلة ، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة ، وعند جموده على البذل ، وعند تباعده على الدّنوّ ، وعند شدّته على اللّين ، وعند جرمه على العذر ، حتّى كأنّك له عبد ، وكأنّه ذو نعمة عليك ، وإيّاك أن تضع ذلك في غير موضعه ، أو أن تفعله بغير أهله.
لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادي صديقك ، وامحض أخاك النّصيحة ، حسنة كانت أو قبيحة ، وتجرّع الغيظ فإنّي لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ، ولا ألذّ مغبّة (٢).
ولن لمن غالظك ، فإنّه يوشك أن يلين لك ، وخذ على عدوّك بالفضل فإنّه أحلى الظّفرين (٣). وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما. ومن ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه ، ولا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه ، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه. ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ، ولا ترغبنّ فيمن زهد عنك ، ولا يكوننّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته ، ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان.
ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك ، فإنّه يسعى في مضرّته ونفعك ، وليس جزاء من سرّك أن تسوءه ...
وضع الإمام الحكيم مناهج الاجتماع وقواعد الصداقة وما تستلزمه من
__________________
(١) الصرم : القطيعة.
(٢) المغبة : العاقبة.
(٣) الظفران : هنا ظفر الانتقام ، وظفر الإحسان ، والثاني أحلى.