في أرضه؟ ويستمر الإمام في وصيّته قائلا :
يا بنيّ! كم من نظرة جلبت حسرة! وكم من كلمة جلبت نعمة.
لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعلى من التّقوى. ولا معقل أحرز من الورع. ولا شفيع أنجح من التّوبة. ولا لباس أجمل من العافية.
ولا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت. ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الرّاحة وتبوّأ خفض الدّعة. الحرص مفتاح التّعب ومطيّة النّصب وداع إلى التّقحّم في الذّنوب والشّرّ جامع لمساوي العيوب وكفاك أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك. لأخيك مثل الّذي عليك. ومن تورّط في الامور من غير نظر في الصّواب فقد تعرّض لمفاجأة النّوائب. التّدبير قبل العمل يؤمنك النّدم. من استقبل وجوه العمل والآراء عرف مواقع الخطأ. الصّبر جنّة من الفاقة. في خلاف النّفس رشدها. السّاعات تنتقص الأعمار. ويل للباغين من أحكم الحاكمين وعالم بضمير المضمرين. بئس الزّاد للمعاد العدوان على العباد. في كلّ جرعة شرقة ، وفي كلّ اكلة غصص. لا تنال نعمة إلاّ بفراق اخرى. ما أقرب الرّاحة من التّعب! والبؤس من النّعيم! والموت من الحياة! فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وبخّ بخّ لعالم علم فكفّ ، وعمل فجدّ ، وخاف التباب (١) فأعدّ واستعدّ ، إن سئل أفصح ، وإن ترك سكت ، كلامه صواب وصمته من غير عيّ جواب.
والويل كلّ الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان واستحسن لنفسه ما يكرهه لغيره ، من لانت كلمته وجبت محبّته ، من لم يكن له حياء
__________________
(١) التباب : الهلاك والخسران ، ومنه قوله تعالى : ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ... ).