ثمّ دخل الألف الثاني الذي يرافد فيه المشتري لزحل ، فقل المطر دون ما كان في الألف الأول ، وبقيت الأرض مغمومة مغمورة ، وحلّت فزاد في قوّة زحل بباطنه البارد اليابس ، واكسب الأرض سخونة بظاهره الحار اللين ، ووقع بينهما الاعتدال ببواطنهما وظواهرهما ؛ ثم دخل الألف الثالث الذي يرافد فيه المريخ زحل ، والمريخ بظاهره حار يابس ، وباطنه بارد رطب. فاتفق برد ظاهر زحل ويبسه ، وبرد باطن المشتري ويبسه ، ويبس ظاهر المريخ ، فتولد من هذه الخمس قوى (١) في الألف الثالث باجتماع قوى التحسين مع باطن المشتري : السباع الضارية على عدة أجناسها وأنواعها ، وأشخاصها وأصنافها ، وذوات الأنياب والمخالب ، والهوام ذوات السموم على عدتها في أصنافها ، وذوات الجوارح من الطير والهوام في البحار ، وبنات وردان (٢) ، والجراد.
وذلك المزاج الممتزج الفاسد الذي بعد عن العلة ، وهو في رسوب الهبوط ، وذلك حكمة بالغة ان قرنت هذه الأجناس في الأصفاد ، فاعجمت وألجمت ، وأبعدت باللعن إقصاء لها عن الفساد.
ثم بدأ الألف الرابع بمرافدة الشمس لزحل ، وظاهرها حار يابس ، وباطنها بارد لين ، وهي مركز الحياة ومعدنها. فحدث انقشاع الغيوم ، وانحلال البرد ولينه ، وبدأت سخونة قريبة مع برد معتدل باللين ، فحدث ظهور أجناس صغار من الحيوان ، مثل الفأر ، وما شاكله في البر والبحر ممّا هو يمشي على أربع ممّا صغر خلقه ، وما كبر أيضا مثل الجواميس
__________________
(١) في ط : القوى. ويقصد بذلك القوى الروحانية الحساسة الخفيفة اللطيفة وهي : الباصرة ، السامعة ، الذائقة ، الشامة ، اللامسة ، وهي تشبه الكواكب الخمسة الجارية في السماء : المريخ ، المشتري ، عطارد ، زهرة ، زحل.
(٢) نوع من الحشرات المشابهة للجراد.