حتى إنّه إذا قارن كوكبا ، ناسبه في فعله ، ولم يخالفه في طبعه ، وكان كل كوكب يتولى إقليما يكون طبعه ، وحكمه ولونه ، وفعل خاصته ظاهرا كان أو باطنا. وكان في كل إقليم وجزيرة مغارات وكهوف لجميع الحيوانات على قدر جنسه ، واستحقاقه لما يراد به. فالإنسان المحمود المقصود بالنظر جثة من ألطف الماء وأعذبه وأصفاه وأعدله.
والماء من المطر المعتدل من البخار والدخان ، الذي هو نظير نطفة الرجل ، وطبعه كطبعه ، في الحر واليبس ، ومن الأنهار التي نظير نطفة المرأة باردة رطبة. وذلك أن الماء لما اجتمع في المغارات والكهوف ، والشمس حينئذ في أول برج الدلو ، لأنه برج على صورة الإنسان.
وعطارد في اثنين وعشرين درجة منه مغربا ، وبرج الدلو هواء بيت زحل ، ومثلثه عطارد ، واعتدال الطريقة للشمس ، وزحل في أول برج الدلو ، يناظر المشتري من تسديس ، وهو في أول الحوت ، وكان الطالع برج الجوزاء ، والقمر في قران عطارد في برج الدلو.
وكان نزول ذلك المطر واجتماعه بماء الأنهار بهبوب ريح الجنوب على أرض نقية التربة ، سليمة من كل طعم يخالف العذوبة ، مثل الحدة والمرارة والملوحة ؛ وهي سحيقة التراب متخلخلة ، فحدث في تلك الأغوار ما ذكرناه من ماء المطر الذي يشبه مني الرجل ، ومن ماء الأرض ما هو يجانس نطفة (١) المرأة ، ومن النداوة المتقدمة من الثلوج والأمطار ، المتجمعة من
__________________
(١) يذهب الإسماعيلية إلى أن الله تعالى حرك الفلك فصعدت البخارات الحادثة من صفو المعدن والنبات والحيوان فصارت غيوما ثم انهلت على وجه الأرض أمطارا صافية معتدلة ، وخددت الأرض خددا غير عميقة ، وقد صفا ذلك الماء في عمقها ، ثم بخارا على أشرف وألطف وأصفى من الأول ، فانهل مطرا كثيرا نظير مني الرجل فوقع في تلك المغارات والخدد التي هي شبيهة بأرحام النساء ، فمازج الماء الكائن فيها المشاكل لماء المرأة ، فصار شيئا واحدا.