الطوفان ماء نظير دم الطمث ، الذي يجمع بين النطفتين ، وهو كالشب المتقدم لما يراد به الصبغ ، وذلك بعد نقاوة الأرض ممّا كان غشاها ، كما أن المرأة تحمل وتقبل النطفة ، بعد نقاوتها من دم الطمث.
فلمّا حصل الماء في قرار الأغوار القريبة ، وظهرت قوى حرارة الأرض المكمنة فيها من الحرارة التي ذكرناها ، لأن ذلك الزمان الذي تكون فيه الشمس في برج الدلو ، يكون باطن الأرض حاميا ، وكانت سخونة الأرض في تلك المواضع الغائرة ليّنة معتدلة غير مطيرة للرطوبة ، ولا منقية لها. فتموج ذلك الماء صاعدا ، وانحدر هابطا ، فلحقه في أول تموجه سخونة ، وسكونة ، وبرودة ، بثقل اكتسبه في انحداره من البرد وهو يتردد في تموجه من طرف إلى طرف ، صاعدا وهابطا بهبوب الرياح من ناحية إلى أخرى ، تارة بعد تارة ، حتى يزول عنه أكثر مائيته ويلطف. وصفته الحرارات حتى صار دهنا سيالا من فعل القوى المستجنة ، وجذبها إليه بما لطف من زيابق المعدن وكباريته ، فصار الماء دهنيّا سيالا ، مستحيلا من لون الماء وطبعه ، مع ما خالطه من خواص المعادن والنبات ، حتى يكون لا ماء خالصا ، ولا دهنا غليظا ، بل معتدلا لطيفا ، طبعه طبع النطفة المتكونة في الرحم.
فلمّا بلغت الشمس إلى برج الجوزاء ، وسخن الهواء ، وهبت رياح البوارح ، وحمي ظاهر الأرض ، فجف شيئا بعد شيء.
وابتدأ الدهن ينعقد بإنضاج الحرارة ، لأن في الأرض مسام ينفذ منه النسيم إليه ، فيلحقه ويكسبه القبول لما يراد به إلقاحا. ويسير إلينا وحرارة ظاهر الأرض تزيد في كل يوم حتى يبلغ الدهن إلى حد الانعقاد بالصلابة اليسيرة في حد المضغة. والدهن بحاله ، كدم الحيض في الرحم ، وإنّما تكون فيه أشياء لكل شخص مشيمة على سبيل الامعاء ، وقد يوجد ذلك في الماء سلاء يتكون