تبعث للثواب والعقاب جميعا. وحملوا ذلك القدرة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
وفرقة من الفلاسفة ومن أهل المقالة يرون أن النفوس الخبيثة المتقهقرة تفارق أجسامها وتصير في حيز فيما بين الأثير والزمهرير معذبة تنظر إلى الملإ الأعلى الذي كان يكون إليه معاد ما لو عملت صالحا فلا تقدر على الصعود إليه وتنظر إلى العالم الذي فارقته فلا تقدر على الرجوع إليه ، وعذابها أنّه تبرأ لها ، أنها تحرق وتغرق وتضرب وتسقط وتقتل وتتألّم وتمرض ، وهذا ما لا نهاية (١) حقيقة له وللمعنوية ، وإنّما فرارهم من التناسخ وتكرر الأجسام.
وهذا فصل عن أهل الحق لم يعلموه ولا أحكموه حقيقته ولا فهموه ، وهو مثل مضروب يدل على حقيقة ، والمعنى من ذلك أنها تكون في حيز الحسية النامية ، الذي هو البرزخ الظلماني من الكثافة الذي يحس فيه الأثير وبرد الزمهرير ، ويجري عليها فيه الآلام والأمراض والأعراض والخوف والفزع والسقم والحزن وهي تنظر إلى الملإ الأعلى الذين هم أرباب الدعوة ، فلا تقدر على الصعود إليهم وهي تعرفهم بحقيقة المعرفة.
فأمّا عالم القدس ، فهم محجوبون عن أهل الولاء والطاعة فلا يدركونهم لصفة ولا روية ، فكيف يدركهم أهل العمى والجهل ، والفلاسفة يرون أن العالم الأعلى الذي ينظرون إليه ، هو عالم الأفلاك ، لأنّه عندهم العشرة ، وأن المعاد إليهم ، فهذا رأيهم ، ثم ينظرون إلى العالم الذي كانت فيه فلا تقدر على الرجوع إليه.
فهذا العالم هو القامة الألفية إذ قد صاروا في الركس المماثل. يدل على ذلك قول أصدق القائلين حكاية عنهم : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى
__________________
(١) نهاية : نهى في ج.