يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١). أي هو البرزخ الظلماني.
وفرقة أهل الغلو والتناسخ والدهرية يرون أن النفوس الطائعة والعاصية لا تفارق أجسامها حتى قد هيّئ لهم أجسام يسكنونها فيكون المطيع في قميصه الآخر أعلى وأشرف ، وأعلى وأعلم مما كان فيه أولا ، وهذا هو عين الجور وعجز الصانع القادر ، إذا كان يعود بعد الحياة ميتا ، وبعد العلم جاهلا ، وبعد القدرة ضعيفا. نعوذ بالله من العمى.
والأجسام التي تكون مهيّأة لأهل العذاب ، يكون هذا يموت ويحيا في القالب الذي هيئ له ، هذا يقولون فطس ، وهذا عطس ؛ وما لعدل هاهنا في الجسم المهيّئ لعذابه ، وهو نفس نماء حتى يعذب بعذاب الساكن الذي يحل فيه. ويحتجون في ذلك بحجج بقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٢).
والكل من الفرق يحومون حول الحق من بعيد ، ولا حقيقة عندهم تخرجهم من الشك والارتياب وتجوير الباري سبحانه. وإنّما المعنى من ذلك نفوسهم. هؤلاء الذين يخرجون من دائرة الوجود إذا حضر نفسا منها أجله وفراقه للدنيا ، فذلك يسمى موتا بموته عن دائرة الحق وبخروجه عن الصراط الذي بين الجنة والنار من القامة الألفية وفراقه له ، وقد صارت نفسه متأزلة بالبقاء السرمد مما علمه وأنكره ، وبما عمله وعطله ، أو ادعى رتبة ليست له ، فتلك نفس لا يقع عليها اسم النقلة ، بل اسم استحالة ، فيكون عند حضوره الوفاة تعود نفسه الحسية نامية وتعودان جميعا حرارة زائدة هي سبب الموت ، ثم تنمو البرودة ، واليبوسة فتكثران وتزيدان حتى تغلبا الحرارة ، فتعود يبوسة وتحجب بالبرودة ، وتشيع الرطوبة في الجسم والبرودة أغلب ، واليبس وتحرك العروق السواكن وتسكن الضوارب
__________________
(١) سورة : ٢٣ / ٩٩ ، ١٠٠.
(٢) سورة : ٤ / ٥٥.