بلادة وقذارة ، ومن حب الناس بغضا ، ومن مزار أهله وأقاربه في القرب منه بعدا ، ومن قدرته في كل أحواله ضعفا ، وذلك بانتفاخ جلده ممّا خرج عليه من البثور (١). فسلوكه في ذلك سلوك أهل الويل وانطماس عينيه ومنافذ منخريه وحلقه ، وضيق نفسه ، وانقطاع مأكله عنه ، وتقيح (٢) كل بدنه ، وتغير رائحته. فصار يريد أن يخاطب أهله وأعزته يشكو إليهم ما هو فيه ، فلا يمكن لفساد آلته ، واستيلاء علته ، وأن يستدعي ماء يشربه فلا يقدر ، لاستحالة أعضائه عن الإجابة ، فيتحسر عن تركه قبول أمر الطبيب ونبذه عظته له وراء ظهره ، ويندم عليه ، فيهم نفسه بقلة من القبول بعد أن تصبح له ، ولم يقدر وقد حصلت له ثمرة أفعاله يدب بها في مفاصله وعظامه ، وعروقه وأعضائه الألم ليله ونهاره ، ينام الناس وهو في الوجع يتقلب لا ينام ولا يفارقه ذلك ما دام أرض وسماء ، ولا يموت فيستريح ، ولا يبرأ من علته فيفيق ، يرفع طرفه فيرى الأصحاء في الغرف المنيفة عليه يطلعون ، فيتحسر على ما هو فيه ، فنعوذ بالله. (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) (٣) الآية. فهل يعادل هذه البلية بلية؟ لا والله ، وإنّه لصائر إلى ما هو أشد (٤) من مقاساة أذى الهوام والعقاب.
وهذا الفصل أيضا حقق ما أشرنا إليه بقوله : يرفع طرفه فيرى الأصحاء في الغرف المنيفة عليه يطلعون. فأوجب أنّه في سلسلة العذاب ، فالأصحاء يعني به الجنس البشري في الغرف المنيفة عليه يطلعون لأنّه عارف بعلمه ، عارف بما هو فيه من التعب والنصب ، نادم على ما فرط. ولو لم يكن العذاب محسوسا ومعروفا ، ولم يكن له حقيقة ولا مضرة. والغرف المنيفة عليه التي هي أهل الصحة فيها ما يعاينهم فيه من النعم الدنياوية من
__________________
(١) البثور : الثبور في ط.
(٢) تقيح : تقبح في ط.
(٣) سورة ٧ / ٥٠.
(٤) أشد : أشهد في ط.