ممنوع عن الرجوع إلى المركزين ، ويصير في حيز الحسية من الكثافة كما ذكرنا من تأويل الادراك. فلطيفه لا يفارق كثيفه. فمرة يكون اللطيف كثيفا ، والكثيف لطيفا ، حس ونماء متردد في قناطير العذاب. ومعنى قوله : فتصير الناطقة مدبرة لنفس الحس ، أن الناطقة هي القابلة للعلم الحقيقي ، وليست شيئا غير الحسية ، فإذا غلبت عليها الشهوات البهيمية ، وتكبرت وعصت وخالفت الأوامر الناموسية فهي تسمى القوة الغضبية وهي التي تجري من الإنسان مجرى الدم ، وهي الإبليسية.
فإذا غلب قوة النطق لعنت ، وأبعدت إلى الدرك الأول الذي قدمنا ذكره وهو يسمى الرجس ، وإلى الثاني وهو يسمى الركس. وإلى الثالث وهو يسمى العكس. وإلى الرابع وهو يسمى الخرس. وإلى الخامس وهو يسمى النجس. وإلى السادس وهو يسمى النكس. وإلى السابع وهو يسمى الوكس. ثم إلى الذي هو العذاب الأكبر في أسفل سافلين من الصخرة مركز سجين الذي بيناه فيما تقدم به الكلام. فهذه أبواب النيران كما قال تعالى : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (١). كما قال مولانا الصادق صلوات الله عليه رمزا واضحا : لتمنعن مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم أو ليمسخنكم الله قردة وخنازير ركعا وسجدا.
وقال سيدنا المؤيد قدس الله سرّه : فالنفس العاصية تبقى تحت النقص وناظرة إلى مقرها ، لا تصل إليه وتنظر إلى الموضع الذي كانت فيه لا تقدر أن ترجع إليه لتنال ما ضيعت في وقت كونها فيه. فذلك هو العذاب المبين والويل الطويل بما صنعت ، وتتمنى الرجوع حتى تعمل كما قال سبحانه : (رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (٢). فيجب على هذا الإنسان أن ينظر من أين جاء وبما جاء وما
__________________
(١) سورة : ١٥ / ٤٤.
(٢) سورة : ٢٣ / ١٠٠ ، ١٠١.