اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) [العنكبوت : ٤١] ، قالت اليهود : ما ذا (١) أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟.
وقيل : قال المشركون : إنّا لا نعبد إلها يذكر مثل هذه الأشياء ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) ، أي : لا يترك ولا يمنعه الحياء (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) [أي](٢) يذكر شبها ، (ما بَعُوضَةً) ، ما : صلة ، أي : مثلا بالبعوضة ، وبعوضة : نصب بدل عن المثل ، والبعوض صغار البق ، سمّيت بعوضة لأنها (٣) بعض البق ، (فَما فَوْقَها) ، يعني : الذباب والعنكبوت.
وقال أبو عبيدة : أي : فما دونها ، كما يقال : فلان جاهل ، فيقال : وفوق ذلك ، أي : وأجهل. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) : بمحمد والقرآن ، (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) ، يعني : المثل هو (الْحَقُ) : الصدق (مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً)؟ أي : بهذا المثل ، فلما حذف الألف واللام نصب على الحال والقطع ، ثم أجابهم فقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) من الكفار ، وذلك أنهم يكذبون فيزدادون ضلالا ، (وَيَهْدِي بِهِ) ، أي : بهذا المثل (كَثِيراً) من المؤمنين فيصدقونه ، والإضلال هو الصرف عن الحق إلى الباطل (٤) ، وقيل : هو الهلاك ، يقال : ضلّ الماء في اللبن إذا هلك ، (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) : الكافرين ، وأصل الفسق : الخروج ، يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها ، قال الله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] ، أي : خرج ، ثم وصفهم فقال :
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) : يخالفون ويتركون ، وأصل النقض : الكسر ، (عَهْدَ اللهِ) : أمر الله الذي عهد إليهم يوم الميثاق بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، وقيل : أراد به العهد الذي أخذه على النبيين وسائر الأمم أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) [آل عمران : ٨١] الآية ، وقيل : أراد به العهد الذي عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ويبيّنوا نعته ، (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) : توكيده ، والميثاق : العهد المؤكد ، (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ، يعني : الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبجميع الرسل عليهمالسلام لأنهم قالوا : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] ، وقال المؤمنون : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، وقيل : أراد به الأرحام ، (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) : بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن ، (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) : المغبونون ، ثم قال لمشركي العرب على وجه التعجب :
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩))
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ)؟ بعد نصب الدلائل ووضوح البراهين (٥) ، ثم ذكر الدلائل (٦) فقال : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) : نطفا في أصلاب آبائكم ، (فَأَحْياكُمْ) : في الأرحام والدنيا ، (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم ، (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) : للبعث (٧) ، (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، أي : تردّون في الآخرة فيجزيكم
__________________
(١) في المطبوع «ما».
(٢) زيادة عن المخطوط ـ أ ـ.
(٣) زيد في المطبوع «كانت».
(٤) كذا في المطبوع ونسخة ـ ط ـ وفي المخطوط «بالباطل».
(٥) في المطبوع «البرهان».
(٦) في المخطوط «الدليل».
(٧) في المخطوط «بالبعث».