من سفلتهم وجهالهم يأخذون كل عام منهم شيئا معلوما من زروعهم وضروعهم ونقودهم ، فخافوا أنهم إن بيّنوا صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المأكلة ، فغيّروا نعته وكتموا اسمه [عنهم](١) ، فاختاروا الدنيا على الآخرة ، (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) : فاخشون.
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) ، أي : لا تخلطوا ، يقال : لبس الثوب يلبس لبسا ، ولبس عليه الأمر يلبس لبسا ، أي : خلط ، يقال : لا تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير [صفته](٢) ، والأكثرون على أنه أراد لا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرانية ، قال (٣) مقاتل : إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وكتموا بعضا (٤) ليصدّقوا في ذلك ، فقال : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَ) الذي تقرون به (٥)(بِالْباطِلِ) ، يعني : بما تكتمونه ، فالحق بيانهم (٦) والباطل كتمانهم ، (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) ، أي : لا تكتموه ، يعني : نعت محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه نبيّ مرسل.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، يعني : الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها ، (وَآتُوا الزَّكاةَ) أدوا زكاة أموالكم المفروضة ، فهي مأخوذة من زكاة الزرع إذا نما وكثر ، وقيل : من تزكى ، أي : تطهر ، وكلا المعنيين موجود (٧) في الزكاة لأن فيها تطهيرا وتنمية للمال ، (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) ، أي : صلوا مع المصلين محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وذكر بلفظ الركوع لأن الركوع ركن من أركان الصلاة ، ولأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع ، وكأنه قال : صلوا صلاة ذات ركوع ، قيل : وإعادته بعد قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، لهذا أي : صلوا مع الذين في صلاتهم (٨) ركوع ، فالأول مطلق في حق الكل ، وهذا في حق أقوام مخصوصين ، وقيل : هذا حثّ على إقام الصلاة جماعة كأنه قال لهم : صلوا مع [المصلين](٩) الذين سبقوكم بالإيمان.
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) ، أي : بالطاعة ، نزلت في علماء اليهود وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه (١٠) وحليفه من المسلمين (١١) إذا سأله عن أمر محمد صلىاللهعليهوسلم : اثبت على دينه فإن أمره حق ، وقوله صدق ، وقيل : هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة ، ثم خالفوا وغيّروا نعت محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ، أي : تتركون أنفسكم فلا تتبعونه ، (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) : تقرءون التوراة فيها نعته وصفته ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) : أنه حق فتتبعونه (١٢) ، والعقل مأخوذ من عقال الدابة ، وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه عن (١٣) الشرود ، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود ، [والمخالفة لما علمه الحق](١٤).
[٥٢] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمر (١٥) بكر بن محمد المزني ، أنا أبو بكر محمد بن
__________________
[٥٢] ـ حديث قوي بطرقه ، وشواهده ، إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان ، وبقية رجال الإسناد ثقات ، عفان هو
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «صفة محمد صلىاللهعليهوسلم».
(٣) في المطبوع «وقال».
(٤) في المخطوط «بعضها».
(٥) في المطبوع «تغيرون».
(٦) في المخطوط «إثباتهم».
(٧) في المطبوع «موجودان».
(٨) في المطبوع «صلواتهم» والمثبت عن المخطوط و ـ ط ـ.
(٩) زيد في نسخ المطبوع.
(١٠) في المخطوط «لقرينه».
(١١) في المطبوع «المؤمنين» والمثبت عن المخطوط و ـ ط ـ.
(١٢) في المطبوع «فتتبعون».
(١٣) في المخطوط «من».
(١٤) سقط من نسخ المطبوع.
(١٥) في المطبوع «عمرو».