(وَاسْتَعِينُوا) : على ما يستقبلكم من أنواع البلاء ، وقيل : على طلب الآخرة ، (بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) : [على تمحيض محو الذنوب](١) أراد حبس النفس عن المعاصي ، وقيل : أراد بالصبر : الصبر على أداء الفرائض ، وقال مجاهد : الصبر [هو] : الصوم ، ومنه سمّي شهر رمضان شهر الصبر ، وذلك لأن الصوم يزهده في الدنيا والصلاة ترغبه في الآخرة ، وقيل : الواو بمعنى «على» أي : واستعينوا بالصبر على الصّلاة كما قال الله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [التوبة : ١٣٢] ، (وَإِنَّها) ، ولم يقل وإنهما ، ردّ الكناية إلى كل واحد منهما ، أي : وإن كل خصلة منهما ، كما قال : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) [الكهف : ٣٣] ، أي : كل (٢) واحدة منهما ، وقيل : معناه واستعينوا بالصبر [وإنه لكبير ، وبالصلاة](٣) وإنها لكبيرة ، فحذف أحدهما اختصارا.
وقال المورّج (٤) : ردّ الكناية إلى الصّلاة لأنها أعم ؛ كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) [التوبة : ٣٤] ردّ الكناية إلى الفضة لأنها أعم ، وقيل : ردّ الكناية إلى الصلاة لأنّ الصبر داخل فيها كما قال الله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] ، ولم يقل يرضوهما ، لأن رضى الرسول داخل في رضى الله عزوجل.
وقال الحسين بن الفضل : ردّ الكناية إلى الاستعانة ، (لَكَبِيرَةٌ) ، أي : لثقيلة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) ، يعني : المؤمنين ، وقال الحسن : الخائفين ، وقيل : المطيعين ، وقال مقاتل بن حيان : المتواضعين ، وأصل الخشوع : السكون ، قال الله تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) [طه : ١٠٨] ، فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى.
(الَّذِينَ يَظُنُّونَ) : يستيقنون ، والظنّ (٥) من الأضداد يكون شكا ويقينا ، كالرجاء يكون أمنا وخوفا ، (أَنَّهُمْ مُلاقُوا) : معاينو (رَبِّهِمْ) : في الآخرة ، وهو رؤية الله تعالى ، وقيل : المراد من اللقاء الصيرورة إليه ، (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) : فيجزيهم بأعمالهم.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧)) ، أي : عالمي زمانكم ، [لا مطلق العالمين](٦) وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء ولكن يحصل به الشرف في حق الأبناء.
(وَاتَّقُوا يَوْماً) : واخشوا عقاب (٧) يوم ، (لا تَجْزِي نَفْسٌ) : لا تقضي نفس (عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ، أي : حقا لزمها ، وقيل : لا تغني ، وقيل : لا تكفي شيئا من الشدائد ، (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (٨) بالتاء ، لتأنيث الشفاعة ، وقرأ الباقون بالياء ، لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) زيد في المطبوع «أكل».
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) هو الإمام اللغوي مؤرّج بن عمرو السدوسي ، أخذ عن الخليل بن أحمد ، راجع «الأعلام» للزركليّ (٧ / ٣١٨)
(٥) زيد في نسخة ـ ط ـ «أنهم مبعوثون ، وأنهم محاسبون ، وأنهم راجعون إلى الله تعالى ، أي يصدقون بالبعث ، وجعل رجوعهم إلى المحشر رجوعا إليه».
وقال محققه : ساقط من ب.
قلت : ليس هو في نسخ المخطوط ولا نسخة المطبوع الأخرى ، وسيفسر المصنف العبارات الآتية من الآية ، مما يدل على عدم ثبوت تلك الزيادة فتأمل ، والله أعلم.
(٦) زيد عن المخطوط ـ أ ـ ب.
(٧) في المخطوط «عذاب».
(٨) جعل في نسختي المخطوط «وأهل البصرة» بدل «ويعقوب» والمثبت هو الصواب ، حيث رجعت إلى كتب القراءات ، فرأيت