كالوعظ والموعظة ، فالتذكير على المعنى والتأنيث على اللفظ ؛ كقوله تعالى : (قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [يونس : ٥٧] ، وقال في موضع آخر : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥] ، أي : لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) ، أي : فداء ، وسمي به لأنه مثل [المعدل](١) المفدي (٢) والعدل المثل ، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) : يمنعون من عذاب الله.
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) ، [يعني] : أسلافكم وأجدادكم فاعتدها منّة عليهم ، لأنهم نجوا بنجاتهم ، (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) : أتباعه وأهل دينه ، وفرعون هو الوليد بن مصعب بن الريان ، وكان من القبط العماليق وعمّر أكثر من أربعمائة سنة ، (يَسُومُونَكُمْ) : يكلفونكم ويذيقونكم (سُوءَ الْعَذابِ) : أشدّ العذاب وأسوأه ، وقيل : يصرفونكم في العذاب [مرة هكذا و](٣) مرة هكذا كالإبل السائمة في البريّة.
وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا ، وصنّفهم في الأعمال فصنف يبنون ، وصنف يحرثون ويزرعون ، وصنف يخدمون ، ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزية.
قال وهب : كانوا أصنافا في أعمال فرعون ، فذو والقوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم [وأيديهم](٤) ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها ، وطائفة ينقلون الحجارة [والطين يبنون له القصور](٥) ، وطائفة منهم يضربون اللّبن ويطبخون الآجر ، وطائفة نجارون وحدادون ، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ، جزية (٦) يؤدونها كل يوم فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته غلت يمينه إلى عنقه شهرا ، والنساء يغزلن الكتان وينسجن ، وقيل : تفسير قوله (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) : ما (٧) بعده وهو قوله تعالى : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) ، فهو مذكور على وجه البدل من قوله : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) ، (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يتركونهن أحياء.
وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي فيها ، ولم تتعرض (٨) لبني إسرائيل ، فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا يولد ولد في بني إسرائيل غلام يكون على يديه (٩) هلاكك وزوال ملكك ، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل ، وجمع القوابل قال لهن : لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولا جارية إلا تركت ، ووكّل بالقوابل [أمناء ينظرون ما يصنع كل حامل من ذكر أو أنثى ويخبرونه](١٠) ، فكن يفعلن ذلك حتى قيل : إنه قتل في طلب موسى عليهالسلام اثني عشر ألف صبي ، وقال وهب : بلغني أنه ذبح في طلب موسى عليهالسلام تسعين ألف وليد ، [قال](١١) : ثم أسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل ، فدخل رءوس القبط على فرعون وقالوا : إن الموت قد وقع في بني إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت في أن يقع العمل علينا ، فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي
__________________
المثبت هو الصواب.
(١) في المطبوع «المعدي» وهو ساقط من ـ ط ـ والمثبت عن المخطوطتين.
(٢) في المطبوع «والعدل» والمثبت عن المخطوطتين ، ونسخة ـ ط ـ.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) في المطبوع «ضريبة».
(٧) زيد في المخطوط «ذكره» عقب لفظ «ما».
(٨) في المطبوع «يتعرض».
(٩) في المطبوع «يده».
(١٠) سقط في نسخ المطبوع.
(١١) زيد عن المخطوط.