ونذر (١) بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى [تصيح الديكة](٢) فو الله ما صاح ديك تلك الليلة فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل ، وعلى مقدمة (٣) عسكره هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف ، وكان فيهم سبعون ألفا من دهم الخيل سوى سائر الشيات (١).
وقال محمد بن كعب رضي الله عنه : كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات ، وكان فرعون [يكون](٤) في الدهم (٢) وقيل : كان فرعون في سبعة آلاف ألف ، وكان بين يديه مائة ألف ناشب ومائة ألف أصحاب حراب ، ومائة ألف أصحاب الأعمدة فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر أو لماء في غاية الزيادة.
ونظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس ، فبقوا متحيرين فقالوا : يا موسى كيف نصنع وأين ما وعدتنا؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)) [الشعراء : ٦١. ٦٢] فأوحى الله إليه (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) [الشعراء : ٦٣] ، فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنّه ، فضربه وقال : انفلق يا أبا خالد بإذن الله تعالى ، (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء : ٦٣] ، وظهر فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق ، وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل ، وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار [البحر] يبسا فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا فخافوا وقال كل سبط : قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء أن تشبّكي فصار الماء شبكات كالطبقات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض ، حتى عبروا البحر سالمين ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ) : من آل فرعون والغرق.
(وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) وذلك أن فرعون لمّا وصل إلى البحر فرآه منفلقا قال لقومه : انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا مني ، ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه ، وقيل : قالوا له : إن كنت ربّا فادخل البحر كما دخل موسى ، وكان فرعون [راكبا] على حصان أدهم ، ولم يكن في خيل فرعون أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى وديق (٣) ، فتقدمهم وخاض البحر ، فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها وهم لا يرونه (٤) ، ولم يملك فرعون من أمره شيئا وهو لا يرى فرس جبريل ، واقتحمت الخيول خلفه في البحر وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم [يشحذهم](٥) يسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم (٦) ويقول لهم : الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر وخرج (٧) جبريل من البحر
__________________
(١) الشيات : جمع الشية : وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس.
(٢) الدهم : العدد الكثير ـ وقيل : الخيل السوداء.
(٣) في القاموس : ودق ذات الحافر وداقا : أرادت الفحل ـ وأتان وفرس وديق وبها وداق وفي المثل : «ودق البعير إلى الماء» يضرب لمن خضع لشيء حرصا عليه ـ وذات ودقين : الداهية.
(٤) هذه الأخبار من الإسرائيليات لا حجة فيها.
__________________
(١) أي أعلم. ووقع في المطبوع «وندر».
(٢) في نسخ المطبوع «يصبح الديك».
(٣) في المخطوط «مقدمته» دون «عسكره».
(٤) زيادة عن المخطوط و ـ ط ـ.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) كذا في نسخ المطبوع ، وفي المخطوط «لا يشرد منهم رجل».
(٧) في المطبوع «وخاض».