وسلمان الفارسي وبحيرا الراهب ووفد النجاشي ، فمنهم من أدرك النبيّ صلىاللهعليهوسلم وتابعه ، ومنهم من لم يدركه ، وقيل : هم المؤمنون من الأمم الماضية ، وقيل : هم المؤمنون من هذه الأمة ، (وَالَّذِينَ هادُوا) الذين كانوا على دين موسى عليهالسلام ولم يبدلوا ، (وَالنَّصارى) الذين كانوا على دين عيسى عليهالسلام ولم يغيّروا وماتوا على ذلك.
قالوا : وهذان الاسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهماالسلام حيث كانوا على الحق كالإسلام لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَالصَّابِئِينَ) زمن استقامة أمرهم (مَنْ آمَنَ) ، أي : مات منهم وهو مؤمن لأن حقيقة الإيمان الموافاة ، ويجوز أن يكون الواو مضمرا ، أي : ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة ، وقال بعضهم : إن المذكورين بالإيمان في أول الآية على طريق المجاز دون الحقيقة ، ثم اختلفوا فيهم فقال بعضهم : الذين آمنوا بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك.
وقيل : أراد بهم المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم ، واليهود والنصارى الذين اعتقدوا اليهودية والنصرانية بعد التبديل ، والصابئون بعض أصناف الكفار ، من آمن بالله واليوم الآخر من هذه الأصناف بالقلب واللسان ، (وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، إنما ذكر بلفظ الجمع لأن (مَنْ) يصلح (١) للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : في الدنيا (٢)(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : في الآخرة.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) : عهدكم يا معشر اليهود ، (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) ، وهو الجبل بالسريانية في قول بعضهم ، وهو قول مجاهد ، وقيل : ما من لغة في الدنيا إلا في القرآن ، وقال الأكثرون : ليس في القرآن لغة غير لغة العرب ؛ لقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف : ٢] ، وإنما هذا وأشباهه وفاق وقع (٣) بين اللغتين.
وقال ابن عباس : أمر الله تعالى جبلا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رءوسهم ، وذلك أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليهالسلام ، فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها ، فأبوا أن يقبلوها للآصار (١) والأثقال التي هي فيها ، وكانت شريعة ثقيلة ، فأمر الله تعالى جبريل عليهالسلام فقلع جبلا على قدر عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ فرفعه فوق رءوسهم مثل قامة الرجل كالظلة ، وقال لهم : إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم ، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : رفع الله فوق رءوسهم الطور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلفهم ، (خُذُوا) ، أي : قلنا لهم خذوا (ما آتَيْناكُمْ) : أعطيناكم (بِقُوَّةٍ) : بجدّ واجتهاد ومواظبة ، (وَاذْكُرُوا) : وادرسوا (ما فِيهِ) ، وقيل : احفظوا واعملوا به (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى ، فإن قبلتم وإلّا رضختكم بهذا الجبل وأغرقتكم في هذا البحر وأحرقتكم بهذه النار ، فلما رأوا أن لا مهرب لهم منها قبلوا وسجدوا ، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود فصار سنة
__________________
(١) الآصار : جمع إصر ، وهنا بمعنى : العهد والميثاق.
__________________
(١) في المخطوط «تصلح».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) لفظ «وقع» ليس في المخطوط.