في اليهود (١) لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم ، ويقولون : بهذا السجود رفع العذاب عنّا.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧))
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) : أعرضتم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : من بعد ما قبلتم التوراة ، (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) ، يعني : بالإمهال والإدراج وتأخير العذاب عنكم ، (لَكُنْتُمْ) لصرتم (مِنَ الْخاسِرِينَ) : من المغبونين بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة ، وقيل : من المعذبين في الحال كأنه رحمهم بالإمهال.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) ، أي : جاوزوا الحد ، وأصل السبت القطع ، قيل : سمّي يوم السبت بذلك لأن الله تعالى قطع فيه الخلق ، وقيل : لأن اليهود أمروا فيه بقطع الأعمال.
والقصة فيه أنهم كانوا زمن داود عليهالسلام بأرض يقال لها أيلة حرّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت ، فكان إذا دخل السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها (٢) ، حتى لا يرى الماء (٣) لكثرتها ، فإذا مضى (٤) السبت تفرّقن ولزمن قعر البحر فلا يرى شيء منها ، فذلك قوله تعالى : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) [الأعراف : ١٦٣].
ثم إن الشيطان وسوس إليهم وقال إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر ، وشرعوا منه إليها الأنهار ، فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض فلا يقدرن (٥) على الخروج لبعد عمقها وقلّة مائها ، فإذا كان يوم الأحد أخذوها ، وقيل : كانوا يسوقون الحيتان إلى الحياض يوم السبت [ولا يأخذونها](٦) ، ثم يأخذونها يوم الأحد ، وقيل : كانوا ينصبون الحبائل والشخوص يوم الجمعة ، ويخرجونها يوم الأحد ، ففعلوا ذلك زمانا ولم تنزل عليهم عقوبة ، فتجرءوا على الذنب وقالوا : ما نرى (٧) السبت إلا قد أحلّ لنا ، فأخذوا وأكلوا وملّحوا وباعوا واشتروا وكثر مالهم ، فلما فعلوا ذلك صار أهل القرية وكانوا نحوا من سبعين ألفا ، ثلاثة أصناف : صنف أمسك ونهى ، وصنف أمسك ولم ينه ، وصنف انتهك الحرمة ، وكان الناهون اثني عشر ألفا ، فلما أبى المجرمون قبول نصحهم (٨) قالوا : والله لا نساكنكم في قرية واحدة ، فقسموا القرية بجدار [وداموا على ذلك سنين](٩) ولعنهم داود عليهالسلام وغضب الله عليهم لإصرارهم على المعصية ، فخرج الناهون ذات يوم من بابهم ولم يخرج من المجرمين أحد ولم يفتحوا بابهم ، فلما أبطئوا تسوّروا عليهم الحائط فإذا هم
__________________
(١) كذا في المطبوع ، وفي ـ ط ـ «سنة لليهود» وفي المخطوط «في اليهود سنة».
(٢) في المطبوع «لا منها» والمثبت عن ـ ط ـ وسقط من المخطوط.
(٣) في ـ ط ـ «من» بدل «ل».
(٤) في المخطوط «انقضى».
(٥) في المخطوط «فلا يقدرون».
(٦) زيد في نسخ المطبوع.
(٧) في المطبوع «ما ندري».
(٨) في المخطوط «نصيحتهم».
(٩) في المطبوع «غيروا بذلك سنتين» وفي نسخة ـ ط ـ «وعبروا بذلك سنتين».