جميعا (١) قردة لها أذناب يتعاوون.
قال قتادة : صار الشبان قردة والشيوخ خنازير ، فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ، ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام ولم يتوالدوا ، قال الله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) : أمر تحويل وتكوين ، (خاسِئِينَ) : مبعدين مطرودين ، قيل : فيه تقديم وتأخير ، أي كونوا خاسئين قردة ، ولذلك لم يقل خاسئات ، والخسأ : الطرد والإبعاد ، وهو لازم ومتعد ، يقال : خسأته خسأ فخسأ خسوءا ، مثل رجعته رجعا فرجع رجوعا.
(فَجَعَلْناها) ، أي : جعلنا عقوبتهم بالمسخ (نَكالاً) ، أي : عقوبة وعبرة ، والنكال : اسم لكل عقوبة ينكل الناظر من فعل ما جعلت العقوبة جزاء عليه ، ومنه النكول عن اليمين : وهو الامتناع ، وأصله من النكل وهو القيد ، وجمعه يكون أنكالا ، (لِما بَيْنَ يَدَيْها).
قال قتادة : أراد بما بين يديها ، يعني : ما سبقت (٢) من الذنوب ، أي : جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدّم من ذنوبهم قبل (٣) نهيهم عن أخذ الصيد ، (وَما خَلْفَها) : ما حضر (٤) من الذنوب التي أخذوا بها ، وهي العصيان بأخذ الحيتان ، وقال أبو العالية والربيع : عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم أن يستنّوا بسنّتهم ، و (ما) الثانية بمعنى : من ، وقيل : جعلناها أي : جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة (لِما بَيْنَ يَدَيْها) ، أي : القرى التي كانت مبنية في الحال ، (وَما خَلْفَها) ما يحدث من القرى بعد ليتّعظوا ، وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : فجعلناها وما خلفها ، أي : ما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة [نكالا](٥) وجزاء لما بين يديها ، أي : لما تقدم من ذنوبهم باعتدائهم في السبت ، (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) : للمؤمنين من أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلا يفعلون مثل فعلهم.
قوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) : البقرة هي الأنثى من البقر ، يقال : هي مأخوذة من البقر وهي الشق ، سمّيت به لأنها تبقر الأرض ، أي : تشقّها للحراثة ، والقصة فيه أنه كان في بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له سواه ، فلما طال عليه موته قتله ليرثه وحمله إلى قرية أخرى وألقاه بفنائها (٦) ، ثم أصبح يطلب ثأره وجاء بناس إلى موسى يدّعي عليهم القتل ، فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه أمر القتيل على موسى.
قال الكلبي : وذلك قبل نزول القسامة (٧) في التوراة ، فسألوا موسى أن يدعو الله ليبينّ لهم بدعائه ، فأمرهم الله بذبح بقرة ، فقال لهم موسى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) ، (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) ، أي : تستهزئ بنا نحن نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح البقرة ، وإنما قالوا ذلك لبعد ما بين الأمرين في الظاهر ولم يدروا ما الحكمة فيه.
قرأ حمزة «هزءا وكفءا» بالتخفيف (٨) ، وقرأ الآخرون بالتثقيل ، ويترك الهمزة حفص. (قالَ) موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ) : أمتنع بالله (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، أي : من المستهزئين بالمؤمنين ، وقيل : من
__________________
(١) في المطبوع وحده «جميع».
(٢) في المطبوع وحده «سبق».
(٣) في المخطوط «مثل».
(٤) في المخطوط «حضرت».
(٥) زيادة عن المخطوط و ـ ط ـ.
(٦) في المطبوع «بفنائهم».
(٧) في المطبوع وحده «قسامة».
(٨) أي بسكون الزاي والهمز ، والتثقيل يكون بضم الزاي.
جاء في «البدور الزاهرة» (ص ٣٢) : قرأ حفص بالواو بدلا من الهمز وصلا ووقفا مع ضم الزاي. وقرأ خلف بإسكان الزاي مع الهمز وصلا ووقفا ، وقرأ حمزة بإسكان الزاي مع الهمز وصلا ا ه. باختصار.