الجاهلين بالجواب لا على وفق السؤال ، لأن الجواب لا على وفق السؤال جهل ، فلما علم القوم أن ذبح البقرة عزم من الله عزوجل استوصفوها (١) ، ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، وكانت تحته حكمة.
وذلك أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل وله عجلة أتى بها إلى غيضة ، وقال : اللهمّ إني أستودعك (٢) هذه العجلة لا بني حتى يكبر (٣) ، ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عوانا ، وكانت تهرب من كل من رآها فلما كبر الابن كان بارا بوالدته ، وكان يقسم الليل ثلاثة أثلاث يصلي ثلثا وينام ثلثا ويجلس عند رأس أمه ثلثا ، فإذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتي به إلى (٤) السوق ، فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطي والدته ثلثه ، فقالت له أمه يوما : إن أباك ورّثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا انطلق وادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردّها عليك ، وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل (٥) إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، وكانت تلك البقرة تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها ، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها ، وقال : أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه ، فقبض على عنقها يقودها ، فتكلّمت البقرة بإذن الله تعالى فقالت : أيها الفتى البار بوالدتك اركبني ، فإن ذلك أهون عليك ، فقال الفتى : إن أمي لم تأمرني بذلك ، ولكن قالت : خذ بعنقها ، فقالت البقرة : بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر عليّ أبدا انطلق (٦) ، فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل ، لبرّك بأمك فسار الفتى بها إلى أمه ، فقالت له [أمه] : إنك فقير لا مال لك فيشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل ، فانطلق فبع [هذه] البقرة ، فقال : بكم أبيعها؟ قالت : بثلاثة دنانير ، ولا تبع بغير مشورتي ، وكان ثمن البقرة ثلاثة دنانير ، فانطلق بها [الفتى](٧) إلى السوق.
وبعث الله ملكا ليري خلقه قدرته ، وليختبر الفتى كيف برّه بأمه وكان الله به خبيرا فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة؟ قال : بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضا والدتي ، فقال الملك : لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك ، فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضا أمي ، فردّها إلى أمه وأخبرها بالثمن ، فقالت : ارجع فبعها بستة (٨) دنانير على رضىّ مني ، فانطلق بها إلى السوق ، وأتى الملك فقال : استأمرت أمك؟ فقال الفتى : إنها أمرتني أن لا أنقصها عن ستة (٨) دنانير على أن أستأمرها ، فقال الملك : فإني أعطيك اثني عشر على أن لا تستأمرها ، فأبى الفتى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك ، فقالت : إن الذي يأتيك ملك (٩) في صورة آدمي [ليختبرك](١٠) فإذا أتاك فقل له : أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل فقال له الملك : اذهب إلى أمك وقل لها : أمسكي هذه البقرة فإن موسى بن عمران عليهالسلام يشتريها منك لقتيل يقتل في بني إسرائيل ، فلا تبعها إلا بملء مسكها دنانير فأمسكها ، وقدّر الله تعالى على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها فما زالوا [يستوصفون موسى] حتى وصف (١١) لهم تلك البقرة [بعينها](١٢)
__________________
(١) أي طلبوا وصفها ، وفي المخطوط «استوصفوه».
(٢) في المطبوع «استودعتك».
(٣) في المطبوع «تكبر».
(٤) زيد في نسخ المطبوع.
(٥) في المخطوط «خيل».
(٦) في المطبوع «فانطلق».
(٧) زيد في المطبوع.
(٨) في المخطوط «عشرة» بدل «ستة».
(٩) في المطبوع «ذلك» بدل «ملك».
(١٠) سقط من المطبوع.
(١١) في المطبوع «يستوصفونها حتى وصفت».
(١٢) زيد في المطبوع وحده.