مكافأة له على برّه بوالدته فضلا منه ورحمة (١) ، فذلك قوله تعالى :
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١))
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ، أي : ما سنّها (قالَ) موسى (إِنَّهُ يَقُولُ) ، يعني : فسأل الله تعالى فقال إنه يعني : إن الله تعالى يقول : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) ، أي : لا كبيرة ولا صغيرة ، والفارض : المسنة التي لا تلد ، يقال : منه فرضت تفرض فروضا ، والبكر : الفتية الصغيرة التي لم تلد قط ، وحذفت الهاء (١) منهما للاختصاص بالإناث كالحائض ، (عَوانٌ) : وسط نصف (بَيْنَ ذلِكَ) ، أي : بين السّنّين ، يقال : عونت المرأة تعوينا إذا زادت على الثلاثين ، قال الأخفش : [العوان التي لم تلد قط وقيل](٢) : العوان التي نتجت مرارا ، وجمعها عون ، (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) : من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) ، قال ابن عباس : شديدة الصفرة ، وقال قتادة : صاف ، وقال الحسن : الصفراء السوداء ، والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقع ، إنّما يقال أصفر فاقع ، وأسود حالك وأحمر قانئ وأخضر ناضر وأبيض يقق للمبالغة ، (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) : إليها يعجبهم حسنها وصفاء لونها.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) : أسائمة أم عاملة؟ (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) ، ولم يقل تشابهت لتذكير لفظ البقر ؛ كقوله تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، وقال الزجاج : أي جنس البقر تشابه ، أي : التبس واشتبه أمره علينا فلا نهتدي إليه ، (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) : إلى وصفها.
ع [٥٨] قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وايم الله لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم إلى آخر الأبد».
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) : مذلّلة بالعمل ، يقال : رجل ذلول بيّن الذل ودابة ذلولة بيّنة الذل ، (تُثِيرُ الْأَرْضَ) : تقلبها للزراعة ، (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) ، أي : ليست بسانية ، (مُسَلَّمَةٌ) : بريئة من العيوب ، (لا شِيَةَ فِيها) : لا لون لها سوى لون جميع جلدها ، قال عطاء : لا عيب فيها ، قال مجاهد : لا بياض فيها ولا سواد ، (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) ، أي : بالبيان التام الشافي الذي لا إشكال فيه ،
__________________
(١) هذا الخبر من الإسرائيليات لا حجة فيه.
ع [٥٨] ـ ضعيف. هو طرف حديث أخرجه الطبري ١٢٤٦ عن ابن جريج مرسلا و ١٢٤٨ عن قتادة مرسلا وصدره «إنما أمروا بأدنى بقرة ...» وقال ابن كثير في «تفسيره» ١ / ١٤١. هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة. وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي ، وكذا «تفسير الشوكاني» (١٨٢) و «تفسير الكشاف» (٣٩) ، والثلاثة بتخريجي. وقد قال الحافظ ابن كثير : أحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.
__________________
(١) في المخطوط «التاء».
(٢) سقط من المطبوع وحده.