الظن (١) أنهم قتلوه ، واليمين أبدا تكون حجّة لمن يقوى جانبه ، وعند عدم اللّوث يقوى (٢) جانب المدعى عليه من حيث أن الأصل براءة ذمّته ، فكان (٣) القول قوله مع يمينه.
قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) ، أي : يبست وجفت ، [و](٤) جفاف القلب : خروج الرحمة واللّين عنه (٥) ، وقيل : غلظت ، وقيل : اسودّت ، (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : من بعد ظهور الدّلالات ، قال الكلبي : قالوا بعد ذلك نحن لم نقتله ، فلم يكونوا قط أعمى قلبا ولا أشدّ تكذيبا لنبيهم منهم عند ذلك ، (فَهِيَ) : في الغلظة والشدة : (كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ، قيل : أو بمعنى الواو ؛ كقوله : (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] ، أي : بل يزيدون [أو ويزيدون](٦) ، وإنّما لم يشبّهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة لأن الحديد قابل للين ، فإنه يليّن بالنار ، وقدّ لان لداود عليهالسلام ، والحجارة لا تلين قط ، ثم فضّل الحجارة على القلب القاسي فقال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) ، قيل : أراد به جميع الحجارة ، وقيل : أراد به الحجر الذي كان يضرب (٧) موسى للأسباط ، (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) : أراد به عيونا دون (٨) الأنهار ، (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) : ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) : وقلوبكم لا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود ، فإن قيل : الحجر جماد لا يفهم فكيف يخشى؟ قيل : الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه ، ومذهب أهل السنة والجماعة [أن الله تعالى علّم في الجمادات وسائر الحيوانات ، سوى العقلاء علما لا يقف عليه غيره](٩) ، فلها صلاة وتسبيح وخشية ؛ كما قال جلّ ذكره : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] ، وقال : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور : ٤١] ، وقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [الحج : ١٨] الآية ، فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله سبحانه وتعالى.
ع [٦٠] ويروى أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان على ثبير (١) ، والكفار يطلبونه فقال [له](١٠) الجبل : انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ عليّ فيعاقبني الله بذلك ، فقال له جبل حراء : إليّ [إليّ](١١) يا رسول الله.
[٦١] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، ثنا السيد (٢) أبو الحسين محمد بن الحسين (٣)
__________________
ع [٦٠] ـ لم أره مسندا ، وهو غريب جدا ، وأمارة الوضع لائحة عليه.
(١) ثبير : اسم جبل معروف عند مكة.
(٢) وقع في الأصل «السدي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٣) وقع في الأصل «حسن» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط».
[٦١] ـ إسناده على شرط مسلم ، تفرد مسلم بالرواية عن سماك بن حرب ، وباقي الإسناد على شرطهما. وإبراهيم بن طهمان ، توبع.
وهو في «شرح السنة» (٣٦٠٣) بهذا الإسناد.
__________________
(١) في المطبوع «القلب».
(٢) في المطبوع «تقوى».
(٣) في المطبوع «وكان».
(٤) زيد عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «ضده».
(٦) سقط من المطبوع.
(٧) في نسخ المطبوع «يضرب عليه».
(٨) في المخطوط «غير».
(٩) العبارة في المطبوع «أن لله تعالى علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ، لا يقف عليه غير الله». وفي نسخة ـ ط ـ : «أن الله خلق علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل ، لا يقف عليه غيره».
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) زيادة عن المخطوط.