الظُّلُماتِ)، فإن قيل : كيف يخرجونهم من النور إلى الظلمات وهم كفار لم يكونوا في نور قط؟ قيل : هم اليهود وكانوا مؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث لما يجدون في كتبهم من نعمته ، فلما بعث كفروا به ، وقيل : هو على العموم في حق جميع الكفار ، وقالوا : منعهم إياهم من الدخول فيه : إخراج ، كما يقول الرجل لأبيه : أخرجتني (١) من مالك ، ولم يكن فيه ؛ كما قال الله تعالى إخبارا عن يوسف عليهالسلام : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [يوسف : ٣٧] ، ولم يكن قطّ في ملتهم ، (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) ، معناه : هل انتهى إليك يا محمد خبر الذي حاجّ إبراهيم ، أي خاصم وجادل ، وهو نمرود ، وهو أوّل من وضع التاج على رأسه وتجبّر في الأرض وادّعى الربوبية؟ (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ، أي : لأن آتاه الله الملك فطغى ، أي : كانت تلك المحاجّة من بطر الملك وطغيانه ، قال مجاهد : ملك الأرض أربعة : مؤمنان وكافران ، فأما المؤمنان : فسليمان وذو القرنين ، وأما الكافران : فنمرود وبختنصر ، واختلفوا في وقت هذه المناظرة ، قال مقاتل : لمّا كسر إبراهيم الأصنام سجنه نمرود ، ثم أخرجه ليحرقه بالنار ، فقال له : من ربك الذي تدعونا إليه؟ فقال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، وقال آخرون : كان هذا بعد إلقائه في النار وذلك أن الناس قحطوا على عهد نمرود ، وكان الناس يمتارون من عنده الطعام ، فكان إذا أتاه الرجل في طلب الطعام سأله من ربك فإن قال أنت باع منه الطعام ، فأتاه إبراهيم فيمن أتاه ، فقال له نمرود : من ربك؟ قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، فاشتغل بالمحاجّة ولم يعطه شيئا ، فرجع إبراهيم فمرّ على كثيب من رمل أعفر فأخذ منه تطييبا لقلوب أهله إذا دخل عليهم ، فلما أتى أهله ووضع متاعه نام فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو أجود طعام رأته [فأخذته سارة](٢) فصنعت له منه فقرّبته [إليه](٣) ، فقال : من أين هذا؟ قالت : من الطعام الذي جئت به ، فعرف أن الله رزقه فحمد الله.
قال الله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، وهذا جواب سؤال غير مذكور تقديره : قال له من ربك؟ قال إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، قرأ حمزة : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) بإسكان الياء وكذلك (حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) [الأعراف : ٣٣] ، و (عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ) [الأعراف : ١٤٦] ، و (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ) [إبراهيم : ٣١] ، و (آتانِيَ الْكِتابَ) [مريم : ٣٠] ، و (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) [الأنبياء : ٨٣] ، و (عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] ، و (عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] ، و (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) [ص : ٤١] ، و (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ) [الزمر : ٣٨] ، و (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) [الملك : ٢٨] ، أسكن الياء فيهن حمزة ، ووافق ابن عامر والكسائي في (لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) [إبراهيم : ٣١] ، وابن عامر [في](آياتِيَ الَّذِينَ) [الأعراف : ١٤٦] ، وفتحها الآخرون ، (قالَ) نمرود [لإبراهيم](أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ، قرأ أهل المدينة (أَنَا) بإثبات الألف والمدّ في الوصل إذا تلتها ألف مفتوحة أو مضمومة ، والباقون بحذف الألف ، ووقفوا جميعا بالألف ، قال أكثر المفسّرين : دعا نمرود برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر فجعل [القتل إماتة](٣) ، وترك القتل إحياء ، فانتقل إبراهيم إلى حجة أخرى ليعجزه ، فإن حجّته كانت لازمة لأنه أراد بالإحياء إحياء الميّت فكان له أن يقول فأحيي من أمت إن كنت صادقا ، فانتقل إلى حجّة أخرى
__________________
(١) في المخطوط «أخرجني».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع وحده.