أوضح من الأولى (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ، أي : تحيّر ودهش وانقطعت حجّته ، فإن قيل : كيف بهت وكان يمكنه أن يعارض إبراهيم ، فيقول له : سل أنت ربك حتى يأتي بها من المغرب ، قيل : إنما لم يقله لأنه خاف أن لو سأله ذلك ، دعا إبراهيم ربّه فكان زيادة في فضيحته وانقطاعه ، والصحيح أن الله صرفه عن تلك المعارضة إظهارا للحجّة عليه أو معجزة لإبراهيم عليهالسلام (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))
. قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) ، وهذه الآية مسوقة على الآية الأولى ، تقديره : ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه ، [وإلى الذي](١) مرّ على قرية؟
وقيل : تقديره : هل رأيت كالذي حاجّ إبراهيم في ربّه؟ وهل رأيت كالذي مرّ على قرية؟ واختلفوا في ذلك المارّ.
فقال قتادة وعكرمة والضحاك : هو عزير بن شرخيا ، وقال وهب بن منبه : هو أرميا بن حلقيا ، وكان من سبط هارون وهو الخضر ، وقال مجاهد : هو كافر شكّ في البعث ، واختلفوا في تلك القرية ، فقال وهب وعكرمة وقتادة : هي بيت المقدس ، وقال الضحاك : هي الأرض المقدسة ، وقال الكلبي : هي دير سابرآباد ، وقال السدي : مسلم آباد ، وقيل : دير هرقل ، وقيل : هي الأرض التي أهلك الله فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ، وقيل : هي قرية العنب (٢) وهي على فرسخين من بيت المقدس ، (وَهِيَ خاوِيَةٌ) : ساقطة ، يقال : خوي البيت بكسر الواو يخوي ، خوى مقصورا إذا سقط ، وخوى البيت بالفتح خواء ممدودا إذا خلا ، (عَلى عُرُوشِها) : سقوفها ، واحدها عرش ، وقيل : وكل بناء عرش ، ومعناه : أن السقوف سقطت ثم وقعت الحيطان عليها ، (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها)؟ وكان السبب في ذلك على ما روى محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه : أنّ الله تعالى بعث أرمياء إلى ناشية بن أموص ملك بني إسرائيل ليسدّده في ملكه ، ويأتيه بالخير من الله عزوجل ، فعظمت الأحداث في بني إسرائيل ، وركبوا المعاصي فأوحى الله تعالى إلى أرمياء أن ذكّر قومك نعمي وعرّفهم أحداثهم [وركوبهم معصيتي](٣) وادعهم إليّ ، فقال أرمياء : إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تبلّغني ، مخذول إن لم تنصرني ، فقال الله عزوجل : أنا ألهمك [ما تقول](٤) ، فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول ، فألهمه الله في الوقت خطبة بليغة طويلة بيّن لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية ، وقال في آخرها عن الله تعالى : وإني أحلف بعزّتي لأقيضنّ لهم فتنة يتحيّر فيها الحليم (٥) ولأسلطنّ عليهم جبارا فارسيا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة
__________________
(١) العبارة في المطبوع «وهل رأيت كالذي» والمثبت هو الصواب.
(٢) في المخطوط «الغيث».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «الحكيم».